سارة أوكونور
قبل ربع قرن، احتدم جدل عام حول كاميرات المراقبة، وتساءل كثيرون: هل ساهمت بالفعل في الحد من الجريمة؟ أم هل تُبشر بمجتمع «الأخ الأكبر»؟ في تلك الأثناء، كان بعض المفكرين المتعمقين يتطلعون أكثر إلى المستقبل: ماذا سيحدث عندما يصبح هذا النوع من التكنولوجيا أصغر حجماً، وأرخص ثمناً، وأكثر توفراً؟
في كتابه «المجتمع الشفاف» الصادر عام 1998، أكد الكاتب ديفيد برين، أنه لا يمكن إيقاف هذه التكنولوجيا، لكنها قد تُزود المواطنين بـ «مصباح خاص» لمراقبة الأقوياء. وبعد ذلك ببضع سنوات، صاغ الأكاديمي ستيف مان مصطلح «تحت المراقبة» (sousveillance)، حيث محور الفكرة أن الناس العاديين يُمكنهم توفير قوة موازنة للمراقبة المتزايدة، من خلال توفير «مراقبة يقظة من الأسفل». فهل كانا مُحقين؟
من المُمكن بالتأكيد رؤية مثل هذه المراقبة السرية قيد التنفيذ في عام 2025. فعلى سبيل المثال، مكّن امتلاك كل شخص تقريباً لهاتف مزود بكاميرا الآن، من كشف بعض الأعمال الوحشية. وأتاحت قوانين حماية البيانات، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) للاتحاد الأوروبي، للعاملين في مجال العمل الحر، الحصول على نسخ من بياناتهم من منصات مثل أوبر، في محاولة لفهم كيفية تحديد الخوارزميات الغامضة للشركات الغامضة لما يتم دفعه.
ويتضمن أحد التوجهات الحديثة على تيك توك، قيام الشباب سراً بتسجيل الاجتماعات التي تم تسريحهم فيها من قبل أصحاب عملهم، إلا أن أعمال المراقبة المتفرقة هذه، لم تثبت فعاليتها. ولنأخذ أماكن العمل كمثال: فقد وجد استطلاع أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لأكثر من 6000 شركة في ست دول، ونُشر في وقت سابق هذا العام، أن 88 % من الشركات الأمريكية، و44 % من الشركات الأوروبية، و19 % من الشركات اليابانية، تستخدم الآن البرمجيات لمراقبة وقت العمل. كما تُستخدم لمراقبة إتمام أنشطة العمل من قبل 86 % و40 % و18 % من الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية على التوالي. ورغم ذلك، لا يوجد دليل يشير إلى أن المراقبة الإلكترونية لأداء الموظفين تُحسّن الأداء، وفقاً لتحليل لشركة «ميتا». وهكذا، يبدو أن القدرة على «مراقبة المراقبين»، لم تفعل الكثير لتحسين الثقة في المؤسسات القوية: فقد وجد أحدث مقياس للثقة من شركة «إيدلمان»، والذي استطلع آراء الناس في 28 دولة، أن نسبة متزايدة من الناس باتوا يعتقدون أن قادة الأعمال والقادة السياسيين والصحافيين يضللون الناس عمداً.
في الواقع، لم يكن التوجه الأبرز في السنوات الأخيرة هو مراقبة الأقوياء، بل ما أسميه «مراقبة الأقران»، فبمساعدة الأجهزة والاشتراكات بشركات التكنولوجيا، أصبحنا نوجه أنظارنا نحو بعضنا البعض بشكل متزايد، سواء من خلال الكاميرات المثبتة على خوذات ركوب الدراجات، أو من خلال اعتمادنا المتزايد على أجراس الأبواب المزودة بكاميرات. والخطوة التالية، ستكون النظارات الذكية، مثل شاشة «ميتا راي بان»، التي كشفت عنها شركة ميتا الأسبوع الماضي.
إن هذه النظارات ذات المظهر العادي، يمكنها القيام ببعض الأمور المتنوعة، مثل وضع سهم على مجال رؤيتك، حتى لا تضطر إلى النظر باستمرار إلى هاتفك للحصول على الاتجاهات. كما يمكنها أيضاً التقاط الصور، وتسجيل مقاطع الفيديو، لكن يخشى البعض من إمكانية إضافة تقنية التعرف إلى الوجه إليها في وقت ما، بحيث يتمكن المستخدمون من معرفة الكثير عن من ينظرون إليه في الوقت الفعلي. وسيكون من الخطير تجاهل الأمر، ببساطة، لأن الخصوصية «انتهت بالفعل».
وهناك فرق نوعي بين قدرة الناس على تصويرك أو تصوير أطفالك بالهاتف أو جرس الباب، وهما واضحان للغاية، وقدرتهم على القيام بذلك، دون أن يتم اكتشافهم (إلا إذا انتبهت إلى ضوء «التسجيل» الصغير على النظارات)، ناهيك عن تطبيق التعرف إلى الوجه. وتبدو الفوائد المحتملة – ومنها إمكانية تجنيب المستخدم الإحراج عند اللقاء فجأة بشخص نسي اسمه - تفوقها تماماً المخاطر الواضحة لهذه التقنية في أيدي المتسللين والمطاردين.
بالطبع، معظم الناس ليسوا متسللين أو مطاردين، ولكن بمجرد ظهور التكنولوجيا، يمكن أن يكون لها تأثير مخيف في شعور الناس وسلوكهم في الأماكن العامة. وقد يجعلهم ذلك أكثر حذراً من التفاعلات مع الغرباء. وستكون هذه خسارة فادحة، لأنه في حين أن الثقة في المؤسسات آخذة في الانخفاض في العديد من الأماكن، فقد صمدت مقاييس الثقة الاجتماعية في عدد من البلدان حتى الآن.
ووفقاً لمسح القيم العالمي، ظلت نسبة من يثقون بمن يلتقون بهم لأول مرة ثابتة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، في كندا وأستراليا والولايات المتحدة، وتحسنت قليلاً في بريطانيا وألمانيا. ومثلما كان الخوف من «الأخ الأكبر» شديداً بما فيه الكفاية، فآخر ما نحتاجه الآن، هو الخوف أيضاً من «الأخ الأصغر».
