مارتن ساندبو
قادت حالة الغضب التي انتشرت في أمريكا خلال أواخر فترة إدارة بايدن إلى عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة. والآن، تسود حالة من الغضب صفوف الأوروبيين بسبب ردود أفعال قادة الاتحاد الأوروبي تجاه ترامب، فلماذا لا ننظر إلى هذا الوضع على أنه فرصة سانحة؟
وهناك رأي عام سلبي بشأن «صفقة» أورسولا فون دير لاين التجارية مع ترامب. وفي استطلاع رأي حديث أجري في الدول الخمس الأكثر سكاناً في الاتحاد الأوروبي لصالح مجلة «لو غراند كونتينينت» الفرنسية، وصف أكثر من نصف الذين استطلعت آراؤهم الصفقة بأنها «إهانة».
وأكد ثلاثة أرباع المشاركين أنها أفادت الولايات المتحدة بشكل رئيسي؛ بينما قالت النسبة نفسها إن فون دير لاين دافعت على نحو سيئ عن المصالح الأوروبية. كما اعتبر ما يقرب من نصف المشاركين ترامب «عدواً لأوروبا» (10% فقط يعتبرونه صديقاً). وعموماً، أعرب ثلاثة أرباع المشاركين عن عدم رضاهم عن موقف الاتحاد الأوروبي تجاه ترامب.
وليس الناخبون وحدهم من يشعرون بالغضب. فقد كان رأي الخبراء قاسياً هو الآخر، مع دعوات لمقاومة سلوك الولايات المتحدة بخصوص «الأنشطة الاستخراجية» و«ضرورة التعامل بحزم في السياسة الرقمية». وحتى ماريو دراغي نفسه، الذي يعد أقرب ما يكون إلى العراف في بروكسل، انتقد بشدة الاستجابة البطيئة من جانب الاتحاد الأوروبي للمنافسة الجيو اقتصادية المتصاعدة ووصف ما يحدث بـ«التهاون» وذلك في خطاب ألقاه منذ أيام.
بل إن حالة من الاستياء بدأت تتسرب بين صفوف تكنوقراط المفوضية، حيث صرحت المديرة العامة للشؤون التجارية بالمفوضية الأوروبية سابين وياند بأنه «لم تكن هناك مفاوضات.. بل قرار بالرضوخ لمطالب ترامب».
فهل خسرت فون دير لاين الأوروبيين؟ وقد ينكر البعض أن الاتحاد الأوروبي لم يحظ يوماً بمثل هذا الدعم الكبير. لكن هؤلاء غالباً ما سيكونون الأشخاص الذين توقعوا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيطلق موجة من الحركات المماثلة في جميع أنحاء أوروبا؛ بينما الآن حتى المملكة المتحدة بها أغلبية ثابتة مؤيدة لأوروبا.
ومن الواضح عموماً أن الأوروبيين غاضبون من القيادة الحالية للاتحاد الأوروبي (غالبية كبيرة تفضل استقالة فون دير لاين وتعرب عن عدم ثقتها بها). لكن لا يزال هناك دعم للبقاء في الاتحاد الأوروبي (إلا إذا فشل – من وجهة نظر أغلبية ضئيلة من الفرنسيين والبولنديين - في حمايتهم من التهديدات الجيو سياسية).
ولعل خطاب حالة الاتحاد الذي ألقته رئيسة المفوضية في العاشر من سبتمبر، والذي بدت فيه أكثر حزماً من ذي قبل، كان رداً على كل هذا.
والرد العادل على كل ذلك هو: «ما كان البديل؟» البدائل كانت موجودة.
فقد كان هناك خيار الإجراءات الانتقامية ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى؛ أو على الأقل عدم القيام بأي شيء، ودفع ثمن الحمائية الأمريكية دون تأييدها كاتفاقية متبادلة. وحتى لو كان ضرورياً «قبول الصفقة بصفتها أقل الشرور»، فإن المهمة السياسية الأبرز كانت «جعل هذه لحظة لن تتكرر أبداً».
وهكذا، كانت الخطيئة الكبرى هي التظاهر بأن الأمور أفضل مما هي عليه. ففي البداية، دافع قادة الاتحاد الأوروبي عن الصفقة باعتبارها ليست سيئة للغاية وأنها توفر استقراراً ذا قيمة، لكن سرعان ما بدأ بعضهم في التلميح سراً إلى أن الأوروبيين قد قبلوا صفقة سيئة خشية أن يوقف ترامب مبيعات الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية لأوكرانيا.
وكشف دراغي بذكاء عن ضعف هذا العذر، وقال: إذا كان الاتحاد الأوروبي مجبراً على القيام بأشياء ضارة بسبب اعتماده على الولايات المتحدة (أو حتى الصين)، فلماذا لا يفعل كل ما يلزم لتقليل هذا الاعتماد؟ وما لا يقال بوضوح كافٍ هو أن أوروبا تفعل ما تفعله تحت الإكراه. لكن من المهم توضيح أنه عندما تجبر أمريكا أوروبا على الخضوع، فإنها لم تعد صديقة لها.
إن هذه أزمة عميقة - وربما وجودية - لأوروبا. ومع ذلك، لا يقر الاتحاد الأوروبي والقادة الوطنيون في أوروبا بهذه الحقيقة الواضحة، وهو أمر غريب بالنسبة لـ «مشروع سياسي سيصاغ في الأزمات» كما وصفه أحد مؤسسيه. والتمسك خطابياً وسياسياً بـ «البراغماتية التطبيعية» في مواجهة محاولات ترامب غير الطبيعية للهيمنة يضعف قدرة أوروبا على المقاومة. وإذا لم تحتج اليوم، فسيصبح الاحتجاج في المستقبل أصعب كثيراً.
فما الذي يمكن فعله بشكل مختلف؟ أولاً، لا بد من الاعتراف بأن أوروبا أجبرت على قبول شروط مذلة، ومن الضروري الآن بناء القوة اللازمة للمقاومة.
ثم، التحلي بالصدق بأن صديقاً سابقاً يتسبب الآن في فرض تكاليف اقتصادية سيضطر الأوروبيون إلى تحملها - وأن الرد يتطلب التضامن والتضحية، بما في ذلك البحث الجاد عن بدائل أوروبية للسلع والخدمات الأمريكية، مع ضرورة إزالة الحواجز القديمة التي تمنع العمل المشترك، فالخيار إما أن نتعاون أو ننفصل. هذه رسائل وليست سياسات. ومع ذلك، فإنه إذا استمع الأوروبيون إلى مثل هذه الرسائل، فسيرحبون بسياسات أكثر جرأة لمواجهة أكبر مع الولايات المتحدة.
