بيغي هولينجر - سيلفيا فايفر
خلال الصيف الجاري، قامت روسيا بإطلاق قمر صناعي عسكري، لكن سلوكه أخذ يتطور بطرق غير مألوفة، ربما تُشكل تهديداً. فبدلاً من الدوران في حزام مستقر تتبعه معظم الأقمار الصناعية، بدأ القمر يتأرجح فوق وتحت المسار الطبيعي، مقترباً من المركبات الفضائية المملوكة لجيوش أجنبية وشركات خاصة.
بعد أيام، بدا أن القمر الصناعي أطلق جسماً مجهولاً، استمر في التحليق على مقربة منه. وصرح بول غراتسياني الرئيس التنفيذي لشركة كومسبوك، وهي شركة برمجيات لرصد الفضاء: «لم نشهد شيئاً كهذا من قبل». وتتزايد مثل هذه الأحداث الغامضة، حيث تُجري الأقمار الصناعية الصينية أيضاً عدداً متزايداً من المناورات المثيرة للقلق. وتأتي هذه الأحداث، في وقت تُثير فيه حملة إعادة تسليح عالمية، موجة من الحماس في مجال تكنولوجيا الفضاء. وانعكاساً لذلك، قفز مؤشر كينشو التابع لشركة ستاندرد آند بورز - والذي يتتبع بشكل رئيس الشركات التي تبتكر في مجال الفضاء السحيق - بنسبة 35 % منذ أبريل.
ويشهد هذا المجال تحول بعض الشركات من مراقبة المناخ إلى قطاع الأمن، بينما تتطلع شركات أخرى إلى شراء موردين دفاعيين راسخين، للاستفادة من الأموال الجديدة. لكن النجاح ليس مضموناً على الإطلاق، حيث تعطي الجيوش الأولوية حالياً للفجوات التي تشهدها ميزانياتها، بينما تضطر شركات الفضاء التي تمر بمراحلها المبكرة، إلى التنافس مع عمالقة الدفاع، مثل لوكهيد مارتن ونورثروب غرومان.
وقد أصيب العديد من المستثمرين بنكسات كبيرة، بعد الضجة المحيطة بثورة تكنولوجيا الفضاء الموعودة الأخيرة. ومن بين 13 شركة طرحت أسهمها للاكتتاب العام بين عامي 2018 و2022، لم يتم تداول سوى أربع شركات أعلى من سعر العرض، بينما تم الاستحواذ على شركات أخرى، وأفلست أخرى، أو خرجت من السوق.
هذه المرة، يتم تعليق آمال كبيرة على تعهدات من حكومات من واشنطن إلى برلين وطوكيو، للاستفادة من الموردين التجاريين، لتوفير وصول أسرع وأرخص إلى أحدث التقنيات. وقد نشر كل من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والبنتاغون وقوة الفضاء الأمريكية، خططاً للاستثمار في الخدمات التجارية.
ودعا البيت الأبيض المقاولين «غير التقليديين» إلى درعه الصاروخي «القبة الذهبية»، التي تقدر قيمة الاستثمارات فيها بنحو 175 مليار دولار، كما تبحث خطة الدفاع الألمانية البالغة 650 مليار يورو، عن موردين جدد وأكثر مرونة.
وقال مايكل تراوت رئيس القيادة الفضائية الألمانية، في مؤتمر عُقد مؤخراً: «الفضاء التجاري أساسي لعملياتنا». والأموال المتاحة هائلة بالفعل. وإذا التزمت دول الناتو بتعهدها بإنفاق 5 % من الناتج المحلي الإجمالي على الأمن بحلول عام 2035، فقد يضيف ذلك 2.7 تريليون دولار إلى الإنفاق السنوي على الدفاع والأمن، وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وتركز شركات الفضاء على تحقيق أهدافها. وقد رسّخت شركة ستارلينك، التي أسسها إيلون ماسك، هيمنتها في مجال الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، عندما أصبحت هذه التقنية أساسية في دفاع أوكرانيا خلال الحرب الجارية مع روسيا. وفي عام 2023، كشف ماسك عن ستارشيلد، المُوجّه خصيصاً للعملاء العسكريين. أما شركات رصد الأرض، التي كانت تُركز سابقاً على تتبع آثار تغير المناخ، فتجد الآن طلباً متزايداً على خدمات الاستخبارات والاستطلاع.
وفي يوليو، وقّعت شركة بلانيت لابز عقداً بقيمة 240 مليون يورو، مع الحكومة الألمانية، للحصول على صور عالية الدقة. وصرح الرئيس التنفيذي للشركة، ويل مارشال، بأنه تم إبرام الصفقة في غضون أسابيع، مشيراً إلى أن قطاع الدفاع بات يُشكّل الآن نصف إيرادات بلانيت. وتُقدّم الشركات خدماتها كخيارات جاهزة ومنخفضة التكلفة للجيوش التي تُعاني من فجوات ضخمة في الميزانية.
وقال مارشال: «لا يُمكن للدول الآن أن تضطر إلى الانتظار 10 سنوات لإطلاق أقمار صناعية». وقالت شركة آيس آي الفنلندية، التي اكتسبت شهرةً لمنحها أوكرانيا إمكانية الوصول إلى قمر صناعي راداري، إنها تشهد اهتماماً كبيراً من حكومات أخرى. وقال جوست إلستاك رئيس بعثات آيس آي: «إذا اشتريت أربعة أقمار صناعية بشكل سيادي، فستحصل غالباً على هذه القدرة الدنيا، بينما يمكنك بالتعاون مع الشركاء، الحصول على تغطية أوسع».
وقد لاحظت شركات الاستثمار الخاص تطورات ما يحدث، فبعد أن أبرزت الحرب الروسية - الأوكرانية أهمية التصوير السريع، استحوذت شركة أدفنت إنترناشونال في عام 2023، على شركة ماكسار، مُنافسة بلانيت لابز. وقالت شونيل مالاني، الشريكة الإدارية في شركة أدفنت: «يمتد الأمن القومي من الأرض إلى الفضاء».
ومع ذلك، من المهم التنبيه إلى أن المكاسب قد لا تكون كبيرة، كما كان يأمل البعض. وتقدر ماكينزي أنه بحلول عام 2030، سيتضاعف الإنفاق الدفاعي السنوي لأعضاء الناتو الأوروبيين إلى 800 مليار يورو. وقد يتضاعف بموازاة ذلك الإنفاق على المعدات الفضائية - لكنه لا يزال يشكل حوالي 1 % فقط.
وبعد سنوات من ضعف الاستثمار، هناك الكثير من «الثغرات» في ميزانيات الدفاع، من الأفراد إلى مخزونات الذخيرة - لا سيما في أوروبا، حسبما يشير بروس ماكلينتوك، من مبادرة راند للمشاريع الفضائية. ويقول: «هناك قائمة طويلة من المشاكل الأرضية. والفضاء مهم بالتأكيد، لكنه ليس على رأس القائمة بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية حتى الآن».
وقال بيير ليونيت مدير الأبحاث في هيئة «أي إس دي يوروسبيس»، إن ميزانية أوروبا للفضاء العسكري، قد تنمو بنسبة 10 - 15 % سنوياً في المستقبل «لكن هذا لن يكون مساراً تحويلياً». وفي غضون ذلك، يواجه الوافدون الجدد شركات قائمة ذات علاقات راسخة تمتد لعقود، وفقاً لبول غراتسياني، الذي تُزوّد شركته الحكومات والعملاء الآخرين ببرمجيات لمراقبة الأجسام في الفضاء.
وأضاف: «يُنظر إلى الشركات التجارية على أنها كائنات تستهدف الغزو». وأضاف: «لدى وكالات المشتريات لجهاز مناعي يحاول القضاء علينا. وهو لا ينوي السماح لنا بالدخول. لذلك، نحن جميعاً لا نحصل إلا على فتات الطعام».
ويرى لوكا روسيتيني الرئيس التنفيذي لشركة دي-أوربت للخدمات اللوجستية الفضائية، في المقابل، أن الحكومات بحاجة إلى إعادة النظر في ممارسات المشتريات التي تتجنب المخاطرة، والتي تتطلب من الشركات الجديدة قضاء سنوات لإثبات جدارتها.
وقال: «لا يمكننا تحمّل 10 سنوات لاختبار شركة جديدة». وتأمل بعض الشركات في تجاوز هذه العوائق عبر الاستحواذ على موردين محليين راسخين في مجال الدفاع. وتقول دي-أوربت، والشركة الكندية إم دي إيه سبيس، إنهما تستكشفان فرص الاستحواذ.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة إم دي إيه، مايك جرينلي، إن «هذا قد يفتح لنا آفاقاً جديدة». في غضون ذلك، تُشير جهات فاعلة في مجال الدفاع، إلى أن الحكومات التي تفتقر إلى الخبرة المؤسسية العميقة في مجال الفضاء، قد تُحجم عن الاعتماد بشكل كبير على الحلول التجارية.
وصرح نيك سميث المدير الإقليمي لشركة لوكهيد مارتن في أوروبا والمملكة المتحدة: «لا يزالون يُحددون ما يُمكن شراؤه تجارياً، وما يجب إبقاؤه تحت السيطرة الوطنية، وما يُمكن تطويره مع الحلفاء». وأضاف: «لا يزال هذا الغموض يُشكل تحدياً».
ورغم العقبات، تعتقد صناعة الفضاء التجارية، أن لحظتها قد حانت. ويرى مارك بوجيت الرئيس التنفيذي لشركة سيرافيم سبيس، أن القطاع يُمكن أن يستحوذ على ما بين 10 % و20 % من الزيادة العالمية في ميزانيات الدفاع - وهو رقم يُقر بأنه يقابل بالتشكيك.
وقال إن هؤلاء النقاد لم يُدركوا بعد التحول في احتياجات الدفاع. وأضاف: «الماضي ليس دليلاً على أين ستكون هذه الأموال مطلوبة»، مشيراً إلى أن الصراع سيكون أقل حول الدبابات والمروحيات، وأكثر حول القدرات الرقمية، ومشدد على أن هناك متطلباً جديداً تماماً لوجهات تخصيص هذه الأموال.
