كلير جونز
يستعد الاحتياطي الفيدرالي المنقسم لإجراء أول خفض لأسعار الفائدة هذا العام، في ظل ضغوط شديدة من دونالد ترامب، وانقسام حول قدرة سوق العمل المتراجع على مواجهة خطر التضخم، الذي تغذيه رسوم الرئيس الأمريكي الجمركية.
يتوقع المستثمرون على نطاق واسع، أن تخفض لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة، تكاليف الاقتراض بمقدار ربع نقطة مئوية، في تصويت السياسة غداً الأربعاء، لكن جيروم باول يواجه موقفاً حرجاً بلا شك، حيث يجد رئيس الاحتياطي الفيدرالي نفسه بين حكام المجلس الذين يدعون إلى تخفيضات أكبر، وأعضاء المجلس الإقليميين الذين يفضلون إبقاء تكاليف الاقتراض ثابتة.
وقال فينسنت راينهارت المسؤول السابق في الاحتياطي الفيدرالي، والذي يشغل حالياً منصب كبير الاقتصاديين في شركة بي إن واي للاستثمارات: «من المرجح أن تكون هناك معارضة من كلا الجانبين.. والمفترض أن السياسة النقدية جهد جماعي. ووجود عدد قليل من أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، على خلاف مع الرئيس، يشير إلى أن مبررات اتخاذ إجراء غير كافية».
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، لم تشهد مثل هذا الانقسام الثلاثي منذ عام 2019. ولفت كريشنا جوها، من شركة إيفركور آي إس آي، إلى أن الانقسام الثلاثي «مؤشر على الحجم الواضح للضغوط التي تتعرض لها اللجنة حالياً». وأضاف موضحاً: «هناك ضغوط سياسية ومؤسسية جديدة، تتداخل مع النقاش حول الاقتصاد الكلي».
ويأتي الاجتماع الذي يبدأ اليوم، ويستمر يومين، وسط تصاعد حدة العدوانية من جانب الرئيس الأمريكي تجاه الاحتياطي الفيدرالي. فقد صعّد ترامب، الذي دعا باول إلى الاستقالة، ووصفه بـ«الأحمق»، بسبب تردده في خفض أسعار الفائدة، هجماته، خاصة عندما حاول إقالة ليزا كوك عضوة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بسبب مزاعم احتيال تتعلق الرهن العقاري.
وتقاضي كوك، التي نفت هذه التهم، ترامب، مؤكدة أنه لا يملك الحق في فصلها «بسبب مبرر». ومن المقرر أن تحضر ليزا كوك الاجتماع، بعد أن منحتها محكمة فيدرالية في واشنطن منذ أيام، الحق في البقاء في الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الحالي، على الرغم من أن محاميّ ترامب استأنفوا لإلغاء القرار.
وبعد خفض تكاليف الاقتراض بمقدار 100 نقطة أساس في العام الماضي، أبقى الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير، عند نطاق 4.25-4.5 % منذ ديسمبر.
ويأتي هذا التوجه الحمائي المتوقع من الاحتياطي الفيدرالي، بعد أن صرّح باول في جاكسون هول الشهر الماضي، بأن تباطؤ سوق العمل قد يكون كافياً لمنع تعريفات ترامب الجمركية من التسبب في ضغوط أوسع على الأسعار.
ويعتقد باول أن أي تأثير للتعريفات الجمركية في الأسعار، سيكون بمثابة صدمة لمرة واحدة، يستطيع الاحتياطي الفيدرالي تحملها، فيما يبدو بعض رؤساء بنوك الاحتياطي الفيدرالي الإقليمية - بمن فيهم رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو أوستان غولسبي، ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، جيف شميد، وألبرتو موساليم من سانت لويس - غير مقتنعين بذلك، فهم يجادلون بأن مؤشرات التضخم لا تزال في ارتفاع، ولم تعكس بعد تأثير السياسات التجارية بشكل كامل، في حين أن معدل البطالة، البالغ 4.3%، لا يزال منخفضاً.
ويعتقد البعض أن باول قد يكون قادراً على إقناع الصقور بدعمه. وقال ديريك تانغ، المحلل في شركة «إل إتش ماير»، إن باول قد يعقد «صفقة كبرى»، من خلال الإشارة إلى حد أعلى لخفض أسعار الفائدة في المستقبل، إذا صوتوا مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي في هذا الاجتماع. وقال جوها إنه من منظور سياسي، قد يستفيد باول من المعارضة المتشددة. «فهذا يُوازن قليلاً مع الضغط من ترامب - ومن يُعينهم ترامب - لخفض أسعار الفائدة بشكل أكثر صرامة».
من جانبه، يرى كريستوفر والر، المحافظ ببنك الاحتياطي الفيدرالي، والمرشح الأبرز لخلافة باول في رئاسة البنك في مايو المقبل، أن بيانات الوظائف الأخيرة مُقلقة بما يكفي لتبرير خفض كبير بمقدار 50 نقطة أساس. وقد ارتفعت طلبات إعانة البطالة الأولية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2021، بينما كشف أحدث تقرير للوظائف غير الزراعية، عن أول خسائر شهرية في الوظائف منذ جائحة فيروس «كورونا». كذلك قد يدعم ستيفن ميران، وهو حليف آخر للرئيس الأمريكي، زيادة قدرها 50 نقطة أساس أو أكثر، في حال تأكيد مجلس الشيوخ تعيينه محافظاً لبنك الاحتياطي الفيدرالي قبل تصويت سبتمبر.
ويبدو أن احتمال إجراء خفض بدرجة أكبر أعلى بالنسبة لميشيل بومان، على الرغم من دعم محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي لدعوة والر لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في تصويت يوليو. لكن إذا أيّد بومان، المُدرج أيضاً في القائمة المختصرة للبدائل المُحتملة لباول، خفضاً أكبر لسعر الفائدة، فستكون هذه هي المرة الأولى التي لا يصوّت فيها ثلاثة مُحافظين مع الرئيس منذ عام 1988.
ويُمكن بالفعل أن تُؤدي الخلفية الاقتصادية غير المُستقرة، والمناخ السياسي المُضطرب، إلى تباين في رسالة الاحتياطي الفيدرالي بشأن ما سيأتي لاحقاً. وستُصدر اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أحدث توقعاتها الفصلية - التي تُحدد ما يعتقده أعضاؤها الـ19، سواءً المُصوّتون أو غير المُصوّتين، بشأن النمو والتضخم والبطالة وأسعار الفائدة - بعد اختتام الاجتماع.
وقال مايكل فيرولي من جيه بي مورغان: «من المُرجّح أن يكون المُعتدلون والمتشددون في اللجنة، حذرين بشأن الالتزام بمسار تخفيفي، نظراً لوضع التضخم». وقال فينسنت راينهارت، المسؤول السابق في الاحتياطي الفيدرالي: «ستكون التوقعات الاقتصادية مُشتّتة بدرجة كبيرة».
