كيف أعاد لاري إليسون تعريف نفسه وسط عمالقة عالم التكنولوجيا

ريتشارد ووترز- راف روزنر أودين

في العام الماضي، جلس لاري إليسون لتناول العشاء بمطعم «نوبو» الياباني الفاخر في بالو ألتو، برفقة صديقه القديم إيلون ماسك. ورغم أن الرجلين اعتادا تناول الطعام هناك في كثير من المرات، فقد تميّزت تلك الأمسية بانضمام جنسن هوانغ الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا» إليهما. كان الثلاثة يجمعهم هدف واحد: الترتيب للحصول على المزيد من شرائح «إنفيديا» المعروفة بوحدات معالجة الرسوميات، التي تشعل ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي.

لاحقاً، روى إليسون، مؤسس «أوراكل»، تفاصيل اللقاء أمام جمع من المحللين الماليين قائلاً: «يمكنني أن أصف لكم مشهد العشاء. كنا أنا وإيلون نتوسل إلى جنسن من أجل وحدات المعالجة الرسومية: ««تفضل.. خذ أموالنا.. خذ المزيد منها». وبالمناسبة، تكفلتُ أنا بدفع الفاتورة... وقد سارت الأمور في النهاية على ما يرام. ونجح الأمر».

لقد نجح إليسون، البالغ من العمر 81 عاماً، في استعادة مكانته بقمة صناعة التكنولوجيا. فقد كان صديقاً وحليفاً مقرباً لستيف جوبز في حقبة تكنولوجية سابقة، فيما هو الآن يشق طريقه في إقامة تحالفات جديدة، ويخوض المنافسات الشديدة التي تحكم الصناعة الآن، بهدف تأمين موقعه في طليعة ثورة الذكاء الاصطناعي.

وظهر إليسون في وقت سابق من العام الجاري في المكتب البيضاوي، إلى جانب سام ألتمان، الخصم اللدود لماسك، للكشف عن مشروع بنية تحتية هائل للذكاء الاصطناعي، يعرف باسم «ستارغيت».

وكشف منذ أيام أن شركة «أوبن إيه آي» قد مضت قدماً في المشروع، من خلال تقديم طلبية بقيمة 300 مليار دولار لأوراكل، ما جعل المشروع محور رصيد ضخم من الأعمال الجديدة، التي حولت شركة إليسون البالغة من العمر 48 عاماً، إلى أحدث وأشهر وجهة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي في وول ستريت.

ومع ارتفاع أسهم شركة أوراكل، قفزت ثروته الشخصية مؤخراً بأكثر من 100 مليار دولار، متجاوزةً ثروة إيلون ماسك، لتصبح، ولو لفترة وجيزة، الأكبر عالمياً، مع بلوغها نحو 400 مليار دولار.

وقد رسّخت إعادة إحياء إليسون لنفسه كقوة فاعلة في مجال الذكاء الاصطناعي، مكانته، باعتباره «الناجي الكبير» في عالم التكنولوجيا. وقال مارك بينيوف الرئيس التنفيذي لشركة «سيلزفورس»، وأحد تلامذة إليسون السابقين: «إنه يقف بمفرده. لا يوجد أحد آخر مثله، لقد حافظ على الازدهار في وادي السيليكون على مدى 50 عاماً. وقد رحل الآخرون، بينما هو يواصل الصمود».

لقد جعل صعود جيل جديد من قادة التكنولوجيا خلال القرن الحالي، من السهل اعتبار إليسون جزءاً من ماضي القطاع، فقاعدة بيانات شركته قد تحتل مكانة مهمة في أنظمة تكنولوجيا المعلومات للحكومات والشركات، لكنها بالكاد كانت تبدو مركزية لمستقبل التكنولوجيا.

وحتى وقت قريب، كان يتجنب الاستثمارات الضخمة اللازمة لجعل أوراكل لاعباً في الحوسبة السحابية، وهي سوق تهيمن عليها شركات أمازون ومايكروسوفت وجوجل. ووفقاً لشخص عمل عن كثب مع إليسون، فقد كان دائماً يولي اهتماماً بالتحولات التكنولوجية.

وبينما كان الرؤساء الآخرون يمهدون الطريق مبكراً لتقنية جديدة، يفضل إليسون الانتظار حتى تتطور الأسواق، ويُركز على «مكان الأعمال، ومكان تدفق الأموال». فكونك الأول ليس ما يهمه، بل «أن تكون آخر من يبقى صامداً».

والآن، بفضل خطوة متأخرة، لكنها استفادت من زخم الذكاء الاصطناعي، ربما يكون قد وضع شركته، على نحو غير متوقع، في مواجهة مباشرة مع عمالقة قطاع الحوسبة السحابية. والشخصية الحالية للاري إليسون، التي تقود صعود أوراكل المدعوم بالذكاء الاصطناعي، تبدو أقل إثارة للجدل، مقارنةً بالشخصية البراقة التي ازدهرت خلال طفرة الإنترنت في التسعينيات.

وقد نشأ إليسون في شيكاغو، لدى أقاربه بالتبنّي، ويبدو أنه كان يستمتع بسمعته كـ «الفتى سيئ السمعة» في عالم التكنولوجيا. ومن فضيحة المحاسبة التي كادت أن تدمر أوراكل في عام 1990، إلى استخدام الشركة لمحقّقين خاصين للتجسس على خصمه بيل غيتس وشركة مايكروسوفت، لم تبدُ شركته أبداً بعيدة عن دائرة الجدل.

وإذا بدا مسار أوراكل أكثر سلاسة في الآونة الأخيرة، فإن الفضل يعود إلى واحدة من أكبر الشراكات غير المعلنة في وادي السيليكون. فقد أدارت سافرا كاتز، المصرفية السابقة والمساعد الأول لإليسون، الشركة عملياً منذ أواخر التسعينيات، وفقاً لأحد الموظفين السابقين، رغم أن إليسون تنازل رسمياً عن لقب الرئيس التنفيذي عام 2014.

وقد منح هذا الترتيب إليسون حرية أكبر للانخراط في الاستراتيجية المؤسسية على مستوى عالٍ، إلى جانب الأنشطة التي جعلت وسائل الإعلام تتابعه بشغف، من الفوز مرتين بكأس أمريكا في سباقات الإبحار، إلى شراء ما يقارب الجزيرة في هاواي.

وقد ساعد قرب سافرا كاتز من دونالد ترامب، إذ كانت جزءاً من فريق انتقاله الرئاسي في عام 2016، في حفاظ إليسون على علاقة ودية مع الرئيس، رغم ما بدا من عدم ولائه بدعمه لمرشحين جمهوريين آخرين. وأحد علامات الامتياز السياسي، كان نجاح أوراكل في التفوق على خصمها القديم مايكروسوفت، ليتم اختيارها كمالك أقلية محتمل لعمليات «تيك توك» في الولايات المتحدة. ولم يُنفذ هذا الاتفاق بعد، رغم أن خدمة تيك توك في الولايات المتحدة تُدار من مراكز بيانات أوراكل.

ويبدو أن طاقة إليسون لم تتضاءل. فهو يقضي وقتاً كبيراً مؤخراً مع زوجته جولين في تربية عائلة جديدة، وفقاً لأشخاص يعرفونه. وللزوجين أربعة أطفال صغار. كما أن إليسون سعى إلى إعادة تركيز اهتماماته الطويلة الأمد في الأبحاث الطبية، وغيرها من الدراسات العلمية، مع التركيز على أمراض الشيخوخة، من خلال إنشاء معهد إليسون للتكنولوجيا في أوكسفورد بالمملكة المتحدة.

وهناك أيضاً هوليوود، فبعد دعمه لمغامرة ابنته ميغان في إنتاج الأفلام، أصبح الآن يدعم ابنه ديفيد، الذي تولى هذا الصيف إدارة شركة باراماونت، ويُقال إنه يستعد لتقديم عرض لشركة وارنر بروس ديسكفري.