هل يمكن للمستثمرين الأمريكيين التعايش مع التضخم الصاعد؟

هاكيونغ كيم - روبرت أرمسترونغ

لا يزال التضخم يسلك المسار الخاطئ؛ فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في أغسطس بنسبة 0.34% مقارنة بشهر يوليو، وهو ما يعادل معدلاً سنوياً قدره 4.2%، ما يعد الأعلى منذ يناير الماضي.

ويواصل هذا الاتجاه التصاعد، لكن بوتيرة بطيئة تكفي لطمأنة الأسواق نسبياً. فقد أنهت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين وعشرة أعوام تداولات الخميس من دون تغير يذكر، فيما لا تزال أسواق العقود الآجلة تتوقع خفضاً في أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية خلال الاجتماع المقبل للجنة السوق الفيدرالية المفتوحة.

وكتبت ليديا بوسور من شركة «إي واي بارثينون»: «الضغوط التضخمية تتزايد، لكن وتيرة التسارع ما زالت منتظمة وليست مفرطة». وهكذا، وكأنهم ضفادع في وعاء يغلي ببطء، يشعر المستثمرون براحة مؤقتة رغم الخطر الكامن.

وقفزت أسعار السلع الأساسية بنسبة 0.4% على أساس شهري، مدفوعة في الغالب بارتفاع أسعار السيارات والملابس، وهما من الفئات شديدة التأثر بالرسوم الجمركية. وقد أشرنا إلى بروز هذا الاتجاه منذ تقرير يونيو. وقد يواجه المستهلكون مزيداً من الضغوط، إذ يشير صمويل تومبس من شركة «بانثيون ماكرو إيكونوميكس» إلى أن أقل من نصف تكاليف الرسوم الجمركية قد نُقلت إلى المستهلكين حتى الآن.

في المقابل، قدّمت أسعار الخدمات بعض العزاء، إذ تباطأت وتيرة نموها الشهري، وجاء معظم هذا النمو من أسعار تذاكر الطيران، وهي فئة متقلبة بطبيعتها. وأشار تومبس إلى أن «الخدمات الأساسية»- أي بعد استبعاد تذاكر الطيران وأسعار الفنادق- تراجعت فعلياً بنسبة 0.1%.

ولم تكن تكاليف السفر هي العامل الاستثنائي الوحيد؛ إذ تضمن التقرير «العديد من العوامل المتحركة والقليل من المؤشرات الواضحة التي يمكن الاستناد إليها»، على حد وصف بوجا سريرام من باركليز، وقد وفّرت هذه العوامل المتضاربة مساحة كافية للمستثمرين وحتى لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي لتبرير ارتفاع الأسعار واعتبارها أثراً مؤقتاً للرسوم الجمركية أو لعوامل أخرى. غير أنه إذا ارتفع التضخم بشكل أكبر، فسيُصبح من المستحيل تجاهل المشكلة أو التكيّف معها.

من ناحية أخرى، من المهم التوقف عند ما حدث لشركة تريكولور، فهي سلسلة معارض لبيع السيارات المستعملة وتوفّر التمويل للمشترين، وتركّز وفقاً لوصف وكالة التصنيف الائتماني كرول، على «المستهلكين من أصول لاتينية الذين لا يحصلون عادةً على التمويل من مصادر الإقراض التقليدية». وتقوم الشركة بتجميع هذه القروض في صورة أوراق مالية مدعومة بالأصول، وقد بلغ إجمالي هذه الأوراق نحو 1.4 مليار دولار في مارس الماضي.

لكن الشركة أعلنت إفلاسها، ويشمل دائنوها بنوكاً كبرى مثل «جيه بي مورغان تشيس» و«فيفث ثيرد بنك»، حيث تدين الشركة لكل منهما بما يقترب من 200 مليون دولار. وتواجه الشركة اتهامات بالاحتيال، وتُجري وزارة العدل الأمريكية تحقيقاً في القضية بالفعل.

وقد يكون الاحتيال أحياناً مجرد احتيال. لكن قصة كهذه تبدو وكأنها مصمّمة لإثارة القلق لدى أي شخص عمل في القطاع المالي عام 2007، فهي تتعلق بمقرض لقروض عالية المخاطر لم تسمع عنه من قبل، لكنه اتضح أنه كبير الحجم ومرتبط ببنوك كبرى، ثم ينهار وسط مزاعم بسوء سلوك.

وبالنسبة إلى من يعانون من «متلازمة صدمة الأزمة المالية العالمية 2007 - 2008»، فإنهم لا يميلون إلى الاعتقاد بأن أي حادثة ائتمان وسط سوق تغمرها الفقاعات هي مجرد حالة فردية. وهم يرون الرافعة المالية ومخاطر الأطراف المقابلة حتى في طبق الإفطار. فهل هناك ما يدعو للاعتقاد بأن شركة «ترايكولور» قد تكون مؤشراً على مشكلة نظامية؟

لقد توقفنا كثيراً عن «الاقتصاد الأمريكي على شكل حرف كيه»، حيث يجعل الأداء القوي للمستهلكين الأثرياء الاقتصاد الكلي يبدو متيناً، رغم معاناة النصف الأدنى من توزيع الدخل. وقد ظهرت هذه الفجوة على شكل حرف كيه في الأعوام الماضية من خلال الزيادة المقلقة في معدلات التأخر عن سداد القروض.

لكن اللافت أنّ هذه الزيادة في التأخر عن السداد بالنسبة لمعظم أنواع القروض (باستثناء قروض الطلاب) قد استقرّت خلال العام أو العامين الماضيين. غير أن الوضع لم يتحسن بالطريقة نفسها بالنسبة للمقترضين ذوي الجدارة الائتمانية المتدنية في سوق السيارات. فهؤلاء يميلون إلى أن يكونوا أصغر سناً وأفقر نسبياً.

وتظهر بيانات «ستاندرد آند بورز غلوبال رايتنغز»، حول معدل التأخر 60 يوماً في قروض السيارات عالية المخاطر المجمَّعة في أدوات الدين المضمونة؛ أن هذه المعدلات أعلى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة، وهي تميل إلى مواصلة الارتفاع.

مع ذلك، تظهر هذه البيانات تراجعاً تدريجياً في جودة الائتمان لا انهياراً شاملاً. ولدينا تفسير أيضاً لسبب معاناة «ترايكولور» أكثر من المقترضين الآخرين ذوي الجدارة المتدنية، وذلك لأنها تخدم شريحة سكانية تحاول الإدارة الرئاسية الحالية إخراجها من البلاد.

وبالتالي، قد لا تكون أولوية الكثير من عملاء الشركة هي تسديد أقساط سياراتهم، وهو ما قد يخلق ضغوطاً دفعت في السابق بعض المقرضين إلى ارتكاب أخطاء جسيمة أو حتى جرائم. وبالنظر إلى الأمر من هذا المنظور، لا تبدو «ترايكولور» وكأنها أول مؤشر على مشكلة أعمق في سوق الائتمان، فسوق قروض السيارات عالية المخاطر صغير جداً على أي حال.

لكن المهاجرين يشكلون جزءاً كبيراً من الاقتصاد: لأن خُمس القوى العاملة في الولايات المتحدة وُلدوا في الخارج حتى العام الماضي؛ وهم يميلون لأن يكونوا أصغر سناً وأكثر حركة، ونصفهم من أصول لاتينية. غير أن الحكومة الأمريكية تشجعهم على أخذ دخولهم وإنفاقهم إلى مكان آخر. عموماً، لا يبدو انهيار «تريكولور» وكأنه ينذر بمخاطر مالية نظامية، لكنه قد يكون مؤشراً على خطر اقتصادي مزمن.