اليابان تدفع ثمناً باهظاً لـ«الصداقة» مع أمريكا

  ليو لويس

شهدت الكلمة المشتركة المصورة، التي ألقاها هاوارد لوتنيك ورياوسي أكازاوا احتفالاً بإنجاز المفاوضات التجارية، لحظات بدت فيها ابتسامة كبير المفاوضين التجاريين اليابانيين أقرب إلى تعبير شخص يتحدث وهو مكره.
فقد خاطب أكازاوا نظيره الأمريكي بابتسامة أقرب إلى ابتسامة رهينة تعاني متلازمة استكهولم قائلاً: «كنت تفكر فيما هو مفيد لليابان. شعرت بذلك حقاً... أنت شخص رائع بالنسبة لي، وأيضاً بالنسبة للشعب الياباني ولليابان».
هذه هي النسخة 2.0 من الصداقة مع الولايات المتحدة، ابتسامة متكلفة يجب على باقي الدول أن تتقنها.

جاءت هذا المحادثة المحرجة أمام الكاميرات بعد شهور من مفاوضات بدأتها اليابان، الحليف الأقرب لأمريكا في آسيا، أملاً في الحصول على إعفاء جمركي كامل، قبل إجبارها في النهاية على الشعور بالامتنان لأنه لم يفرض عليها سوى رسوم بنسبة 15%. وكان بريق «التضليل» واضحاً في عين لوتنيك حين وصف هذا القيد غير المسبوق على حرية التجارة بأنه «مفيد جداً لليابان».

لكن جوهر الصفقة الفعلي تمثل في التزام اليابان بضخ استثمارات بقيمة 550 مليار دولار «لدعم المصالح الاقتصادية والأمنية في الولايات المتحدة». وقد وافقت اليابان على صرف هذا المبلغ بحلول 19 يناير 2029، وهو نظرياً اليوم الأخير من ولاية دونالد ترامب الرئاسية. ورغم ضخامة الاتفاق، إلا أن المعلومات المتاحة حول تفاصيله الجوهرية شحيحة للغاية.

والمعطيات القليلة التي تسربت ووردت في سبع صفحات صيغت بلغة ركيكة، اطلعت عليها «فاينانشيال تايمز». أما المذكرة فلا يملكها سوى عدد محدود من مسؤولي وزارتي الخارجية والتجارة الأمريكيتين، فيما امتنعت اليابان عن نشرها بانتظار خطوة مماثلة من واشنطن. ويقول مسؤول في طوكيو: إن «آلية نشرها تعطلت بالكامل».

وكانت اليابان قد طلبت توثيق الاتفاق كتابة، وهذا ما يبدو أن الدائرة الضيقة المحيطة بلوتنيك قد توصلت إليه. ولن تفرج اليابان عن المذكرة ما لم تنشرها واشنطن أولاً، حسبما قال أحد المسؤولين المقيمين في طوكيو.

المذكرة، وفقاً لقراءتها الأولى، تعكس اتفاقاً قسرياً: دولة ذات سيادة يتم إجبارها على ضخ استثمارات من القطاعين العام والخاص في دولة أغنى منها، ضمن هيكل يدار، بلا خجل، مباشرة من قبل الرئيس الأمريكي.
وبموجب المذكرة، تستعيد اليابان استثماراتها ثم تحصل فقط على 10% من العوائد النقدية للمشاريع، مقابل 90% لأمريكا. صحيح أن لليابان رأياً شكلياً عبر لجنة استشارية تختار المشاريع، لكن لا يوجد أي ياباني في اللجنة الاستثمارية الأقوى نفوذاً، فيما يحتفظ ترامب بالكلمة الفصل. ونعم، لليابان خيار عدم تمويل مشروع ما، لكن في هذه الحالة يحق للولايات المتحدة فرض رسوم جمركية جديدة عليها «بالنسبة التي يحددها الرئيس».

رغم ذلك، لدى اليابان بعض المبررات الضعيفة لتصوير هذا الاتفاق على أنه مكسب. فهي تدرك أن الشركات اليابانية ترغب في الاستثمار داخل أمريكا، وأن هذه الاستثمارات ستتم بضمانات من المقرضين الحكوميين اليابانيين. وإذا كان هذا هو ثمن تقليص الرسوم، فإن النتيجة لا تختلف كثيراً عما كانت اليابان ستفعله على أي حال.

لكن هوارد لوتنيك، في مقابلة مع «سي إن بي سي»، سلب اليابان حتى حقها في تقديم هذه الحجة لشعبها. إذ قال إن اليابان سعت إلى «شراء تخفيض» الرسوم الجمركية عبر صفقة وصفها بأنها «خارجة عن المألوف»، وكانت «أكثر ما استمتع به خلال عمله مع هذا الرئيس». وأضاف: إن ترامب يملك «سلطة مطلقة» على الاستثمارات اليابانية، وهو من سيقرر أين وكيف يتم إنفاق رأس المال الياباني داخل أمريكا.

أما أكازاوا، فقد قال للصحافيين بعد عودته إلى طوكيو وابتعاده عن قيود الجلوس إلى جانب لوتنيك، إن ما ورد في المذكرة بشأن «السلطة التقديرية المطلقة» ليس صحيحاً. لكننا سنرى لاحقاً.

إلا أنه يمكن القول إن المحتوى الدقيق للمذكرة أقل أهمية من طبيعة الوثيقة نفسها. النقطة المهمة هي انحيازها الفج، واستمرار وجودها في الظل، وتفسيراتها المتباينة على نطاق واسع. وكل هذا يسمح بأن تمثل ميثاقاً بائساً لما يعنيه أن تكون صديقاً للولايات المتحدة في عام 2025. ففي الداخل، يتقن دونالد ترامب حالياً أساليب الالتفاف على الكونجرس الأمريكي، وفي تعامله مع حلفاء الولايات المتحدة، يعمد فريقه بدورهم إلى الالتفاف على القنوات المتعارف عليها. وخفاء هذه المذكرة، بما تنطوي عليه من غموض وصياغتها داخل دائرة مغلقة، نموذج أولي مفيد لفهم نهج ترامب وفريقه في التعامل مع الحلفاء، في مراحله المبكرة.

لقد دخلت اليابان المفاوضات معتقدة أن قواعد الصداقة القديمة ما زالت سارية، وأنها أحسنت التعامل مع ترامب في السابق، فتصورت أن الاتفاق النهائي هو الهدف المقصود. لكنها فوجئت بطرف يستخدم لغة «عقد الصفقات» غطاءً لإعادة صياغة مفهوم الصداقة بالكامل، وتسخيره لخدمة تعظيم مصالحه الشخصية.