«ميسترال» تمضي بقوة في قطاع الذكاء الاصطناعي بعد استثمار كبير

جون ثورنهيل

في الماضي، كانت المؤسسات المالية والشركات الفرنسية تتبادل حصص الملكية في ما بينها بسعادة، لتشكل ما عرف بـ«النواة الصلبة» من المساهمين الداعمين، في مواجهة ما وصف آنذاك بـ«القراصنة الأنجلو ساكسونيين».

واليوم، يعكس استثمار شركة «إيه إس إم إل» الهولندية، البالغ 1.3 مليار يورو، في شركة «ميسترال» الفرنسية الناشئة في الذكاء الاصطناعي منذ أيام، روحاً مشابهة، وإن جاء بصيغة أوروبية، وعلى نطاق أوسع.

تأتي الصفقة لتعمق الروابط بين اثنتين من أبرز الشركات الأوروبية، وأكثرها إثارة للإعجاب في قطاع التكنولوجيا، كما أنها لقيت ترحيباً واسعاً من الساسة الأوروبيين الساعين إلى تعزيز مفهوم السيادة التكنولوجية.

غير أن هذه الخطوة، عند مقارنتها بالمشهد العالمي للذكاء الاصطناعي، الذي تشهد فيه الولايات المتحدة صفقات أضخم وبأضعاف، قد لا يكون لها ذلك التأثير الكبير.

لا شك أن «إيه إس إم إل»، تعد من أهم شركات التكنولوجيا في العالم، فهي تصنع معدات صناعية بالغة التعقيد، من بينها آلات الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية، التي تبلغ قيمة الواحدة منها نحو 400 مليون دولار، والمستخدمة في إنتاج أشباه الموصلات المتقدمة.

وقد أنفقت الشركة 6 مليارات يورو على مدار 17 عاماً، لتطوير هذه التكنولوجيا القادرة على طباعة مخططات نانوية على رقاقات السيليكون، ما منحها موقعاً حصيناً وشبه احتكاري في السوق.

وحلقت «إيه إس إم إل» عالياً، في ظل طفرة الاستثمار الهائلة في الذكاء الاصطناعي، لكنها علقت في الوقت نفسه في رياح التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين.

وبخلاف رغبتها في تعميق خبرتها في هذا المجال، فإن الأساس المنطقي لاستراتيجية استثمار «إيه إس إم إل» في «ميسترال» غير واضح. وقال كريستوف فوكيه الرئيس التنفيذي لـ«إيه إس إم إل»:

«لسنا خبراء في الذكاء الاصطناعي، لكن لدينا الخبرة في الطباعة الحجرية. وكنا نرغب في العمل مع شريك بإمكانه أن يساعدنا حقاً في تسريع الذكاء الاصطناعي في إيه إس إم إل».

ومن وجهة نظر «ميسترال»، فإن هذه الصفقة تحمل مزايا عديدة، حيث باتت «إيه إس إم إل» بذلك المستثمر الأبرز في جولة تمويلية بلغت 1.7 مليار يورو، ودفعت تقييم «ميسترال» إلى 11.7 مليار يورو.

وقد حفزت مشاركة «إيه إس إم إل» في جولة التمويل مستثمرين استراتيجيين آخرين، بينهم «دي إس تي جلوبال»، و«أندريسين هورويتز»، و«بي بي آي فرانس»، و«لايت سبيد»، و«إنفيديا»، وشجعتهم أيضاً على المشاركة.

ويمكن أن تتوقع «ميسترال» وصولاً أفضل لأبرز منتجي رقاقات الحاسوب المخصصة للذكاء الاصطناعي، بالنظر إلى انخراط «إيه إس إم إل» في العمل معهم جميعهم.

وترددت شائعات هذا الصيف حول احتمالية استحواذ «أبل» على «ميسترال»، فقد بيعت بعض الشركات الأوروبية الناشئة العاملة في الذكاء الاصطناعي بالفعل لصالح شركات أمريكية، مثل «سايلو إيه آي» الفنلندية، التي استحوذت عليها «إيه إم دي» الأمريكية المصنعة للرقائق العام الماضي، في صفقة وصلت قيمتها إلى 665 مليون دولار.

من جانبها، تتوق الحكومات الأوروبية والشركات الصناعية للحفاظ على شركة إقليمية ناجحة في مجال الذكاء الاصطناعي، لا تنقل بياناتها إلى الولايات المتحدة.

وقال بول ميرفي الشريك في «لايت سبيد» الأمريكية لرأس المال المغامر، والعضو في مجلس إدارة «ميسترال»: «لطالما كانت الاستراتيجية هي الإبقاء على ميسترال شركة مستقلة».

ومن الواضح أن شركات الذكاء الاصطناعي الأوروبية ليس بمقدورها حشد هذا القدر نفسه من الأموال مثل نظيراتها الأمريكية، والتي يمثل رأس المال بالنسبة لها استراتيجية في حد ذاته.

ومنذ أيام، جمعت «أنثروبك» 13 مليار دولار، ما يضع تقييمها عند 183 مليار دولار. ونشر موقع الأخبار التكنولوجية «ذا إنفورميشن»، أن «أوبن إيه آي» تتوقع إنفاقاً نقدياً يصل إلى 115 مليار دولار حتى 2029.

وانخرطت «أوبن إيه آي» في محادثات بشأن مبيعات ثانوية للأسهم، تدفع تقييم الشركة إلى 500 مليار دولار. وأفاد رئيسها التنفيذي، سام ألتمان، بأن مطورة «تشات جي بي تي»، ربما تصبح «أكثر الشركات الناشئة كثافة في رأس المال» في تاريخ وادي السيليكون.

وبالمقارنة، فإن رأس المال المحلي المتوفر للشركات الأوروبية الناشئة بقطاع التكنولوجيا، يمثل نسبة ضئيلة، مقارنة بما هو متوفر في الولايات المتحدة. وفي تقريره عن التنافسية الذي نشره في العام الماضي، دعا ماريو دراغي إلى دعم قدره 800 مليار يورو سنوياً، لتحفيز الاستثمار، ووقف تخلف القارة عن ركب أمريكا والصين.

وألقى رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، الضوء في هذا السياق على مدى ضآلة ما تخصصه صناديق المعاشات التقاعدية الأوروبية لرأس المال الداعم للنمو.

وينطبق الأمر نفسه على المملكة المتحدة. ففي كلمة ألقتها الأسبوع الماضي، أشارت آن غلوفر الرئيسة التنفيذية لشركة «أماديوس كابيتال بارتنرز»، إلى استثمار صناديق المعاشات التقاعدية في بريطانيا وإيرلندا 0.007 % فقط من أصولها في رأس المال المغامر، مقارنة بنسبة تتراوح بين 0.5 % و2 % في أمريكا الشمالية. ومن شأن رفع هذه النسبة إلى 0.5 %، أن تمثل زيادة بواقع 70 ضعفاً، ما سيحدث تحولاً في قطاع التكنولوجيا البريطاني.

ولا تواجه «ميسترال»، التي تعتبر نفسها شركة عالمية، صعوبة في اجتذاب رؤوس الأموال المغامرة، خاصة من أمريكا، وتمكنت من استخدام رؤوس الأموال هذه بكفاءة. وذكر ميرفي: «لقد كانت ميسترال أكثر كفاءة في استخدام رأس المال مقارنة بمختبرات أخرى».

وما يميز الشركة الفرنسية أيضاً عن منافسيها الأمريكيين، هو تركيزها على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، واستهدافها لعملاء من المؤسسات.

وحتى تاريخه، حققت «ميسترال» 1.4 مليار يورو، كقيمة إجمالية للعقود التي أبرمتها، وهو ليس بمبلغ سيئ بالمرة، لشركة تبلغ من العمر عامين. ولا يمكن بحال من الأحوال لـ «ميسترال»، أن تأمل في منافسة نظيراتها الأمريكية، عندما يتعلق الأمر بالاستفادة من فقاعة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وإنفاق الأموال. لكن من المنطقي للشركة، أن تجرب حظها، بما أنها تتمتع حالياً بدعم «إيه إس إم إل».