يمثّل التشاؤم خطراً مهنياً للصحافيين المتخصصين في الشأن المالي، لكنه يبقى جذاباً عند جماعة منهم لعدة أسباب، فالتشاؤم يمنح الكاتب مظهراً مثقفاً وواعياً، في حين قد يبدو التفاؤل وكأنه انحياز لصالح القطاع المالي. وهناك احتمال أن يتنبأ الصحافي بخمس عشرة أزمة لا يقع منها سوى واحدة، ومع ذلك يتذكر الناس غالباً تلك التي أصاب في التنبؤ بها، لا الأربع عشرة الأخرى التي لم تتحقق. والأهم من ذلك أن الأخبار السلبية غالباً ما تحظى بقراءة وانتشار أوسع بكثير من الأخبار المتفائلة.
ولا تختلف هذه الزاوية عن مثل هذه الفخاخ النفسية، فقراؤها المنتظمون يدركون السيناريو التشاؤمي الراهن: تقييمات الأسهم بلغت مستويات مرتفعة قياساً بالتاريخ، وفروق الائتمان في أدنى مستوياتها، والاقتصاد يشهد تباطؤاً واضحاً؛ ونمو الوظائف يتراجع، والقطاع الصناعي ينكمش، وسوق الإسكان في حالة فوضى.
كذلك، فإن التوقعات المالية للولايات المتحدة سلبية وتتدهور باستمرار. كما أن السلطة التنفيذية تقوّض استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والسياسات الاقتصادية الأساسية للإدارة ترتكز على تعريفات جمركية تمثل خليطاً غير منطقي من القرارات غير المتوقعة، وهو ما أسهم جزئياً في عودة التضخم إلى الارتفاع من جديد.
في المقابل، هناك أسباب عدة تدعو للتفاؤل، وينبغي على المستثمرين أن يولوا الانتباه إليها، وإليكم ستة من أبرز هذه الأسباب:
• الإنفاق الرأسمالي قوي: رغم أنه غالباً ما يُشار إلى هذا الأمر على أنه متعلق حصراً بمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، لكن الأمر أكبر من مجرد ذلك. وفي حين يُعد التوقف المفاجئ للإنفاق على مراكز البيانات مثار قلق مشروع، إلا أن دون ريسميلر من «ستراتيهاس»، يشير إلى أن الحوافز الاستثمارية الكبيرة في قانون الموازنة ستؤتي ثمارها في العام المقبل. لذا، فإن طفرة الإنفاق الرأسمالي على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون معبراً. وعند الوضع في الاعتبار الأرباح الأخيرة التي أعلنتها «إنفيديا»، يمكننا القول إن هذا الجسر ليس بصدد الانهيار.
• أرباح الشركات تنمو بصورة مطردة: نما الدخل التشغيلي للشركات المُدرجة في مؤشر «إس آند بي 500»، مع استثناء شركات الخدمات المالية، بنسبة 9% في هذا الربع الأخير مقارنة بالعام الماضي. وارتفعت الإيرادات بمقدار 7%.
وتتماشى كلتا القراءتين مع ما شهدناه على مدى الأرباع الثلاثة الماضية، وهو أننا لم نشهد تباطؤاً ملحوظاً في الأرباح. نعم، يُعد تركّز الربحية في القطاع التكنولوجي مثيراً للقلق، لكن هناك قدراً من النمو في الإيرادات والأرباح حتى في القطاعات المتعثرة، مثل السلع الاستهلاكية الأساسية، ولا يبدو أن الأمور تتدهور.
• الميزانيات العمومية لكل من الأسر والشركات في حال جيدة.
• تحرك إدارة ترامب نحو تخفيف القيود التنظيمية يدعم النمو، وتدرك الشركات أنه حتى وإن ظلت القيود التنظيمية معمولاً بها، إلا أن إنفاذها والتقاضي بموجبها لن يكون صارماً، وهو ما يعزز النشاط. ولك أن تنظر، على سبيل المثال، إلى إزالة الحد الأقصى للأصول الذي كان مفروضاً على «ويلز فارغو» وهو ما يسمح للميزانية العمومية لواحد من أكبر المصارف الأمريكية بالتوسّع. ويمكنك أن تنظر أيضاً إلى الزيادة البالغة بنسبة 25% في نشاط الدمج والاستحواذ بالولايات المتحدة هذا العام.
• أسعار الفائدة تقترب من الانخفاض، وقد يقول البعض إنه إذا قرر الفيدرالي تخفيض الفائدة قصيرة الأجل، وهو ما تتوقعه السوق، فقد لا يسهم ذلك في مساعدة قطاع الإسكان كثيراً، لأن الفائدة طويلة الأجل قد تظل مرتفعة على إثر المخاوف المالية، وهو سيجعل الرهن العقاري باهظاً، لكن آخرين يرون أن خفض الفائدة قصيرة الأجل يمكن أن يمثّل دَفعة كبيرة للشركات الصغيرة التي ستشهد هبوطاً في تكاليف رأس المال العامل لديها.
• ربما كان هناك قدر من المبالغة في الإشارة إلى أهمية استقلالية الفيدرالي، وقد ذهب الخبير الاقتصادي تايلر كوين مؤخراً، إلى أن فكرة اتفاق كافة خبراء الاقتصاد على أن الاقتصادات تشهد أداء أفضل كلما كانت المصارف المركزية متمتعة بالاستقلالية مجرد خدعة.
ويرى أن ما يهم هو الحوكمة الجيدة، وإذا توفرت، فسيكون بإمكانك الاستغناء عن وجود سياسة رسمية لاستقلالية المصرف المركزي. علاوة على ذلك، كانت هناك مبالغة في الاستقلالية العملية للمصارف المركزية المستقلة رسمياً. بعبارة أخرى، ربما تكون السوق على صواب في الحفاظ على هدوئها في وجه الهجوم الذي تتعرض له ليزا كوك، على الرغم من كونه تصرفاً سيئاً.
على صعيد آخر، كان لنا حديث متفائل بخصوص سوق الأسهم الكورية بعد أن ارتفع مؤشر «كوسبي» بنسبة 23% وبلغ أعلى مستوياته منذ ثلاثة أعوام ونصف العام. وفي مايو، كانت لدينا بعض المخاوف بشأن الاقتصاد، غير أن الأنباء الواردة منذ ذلك الحين كانت مُشجّعة إلى حد ما.
فقد تراجع التضخم العام إلى ما دون المُستهدف البالغ 2%، مما يعزز احتمالات إقرار المزيد من تخفيضات الفائدة من جانب المركزي. من ناحية أخرى، نما نشاط القطاع الخدمي، والإنتاج الصناعي، وكذلك مبيعات التجزئة، مع تعافي ثقة المستهلكين، بحسب ما جاء عن غاريث ليذر من «كابيتال إكونوميكس».
لكن المحرك الأساسي للسوق كان انتخاب لي جاي ميونغ رئيساً للبلاد في الثالث من يونيو الماضي، حيث اشتمل برنامجه الانتخابي على إلغاء «الخصم الكوري». وقد مضى لي قدماً في تعهداته حتى الآن. فقد مررت حكومته تعديلاً للقانون التجاري يحمّل مديري الشركات مسؤولية قانونية أمام كافة المساهمين، بالإضافة إلى اعتماد «قاعدة 3%»، التي تحد من حقوق التصويت لكبار المساهمين عند 3% لأغراض انتخاب أعضاء لجنة التدقيق.
ويبدو أن المستثمرين مطمئنون لما يتعلق بالحوكمة. لكن ماذا عن النمو؟ ارتفعت نسبة السعر إلى القيمة الدفترية لمؤشر «كوسبي» لما يزيد قليلاً عن 1، وتشي نسبة السعر إلى الأرباح البالغة 15 بآفاق نمو متواضعة. ولفت تشانغوان لي من «ألاين بارتنرز»، إلى أن صناعات مثل بناء السفن والترفيه والرعاية الصحية قد تشهد تغيراً للظروف.
وقال: «يواجه بعضاً من أكبر الشركات في كوريا صعوبات مع المنافسة العالمية، خاصة من جانب الصين. لكني أعتقد أن اليابان كانت في وضع مشابه في عام 2013، وكانت لديها مشكلات حتى وقت قريب مع التنافسية بالسوق العالمية، غير أن مؤشر «نيكاي» حقق مكاسب بواقع 400% منذ عام 2012.
