ترامب يُعيد تشكيل «البيت الأبيض» على طراز منتجع مارالاغو

جيميما كيلي

حديقة الورود في البيت الأبيض.. يكفي ذكر اسمها حتى يتبادر إلى الذهن مزيج من الأناقة والفخامة والجمال المترف الممزوج بهيبة السلطة، فقد صُمّمت الحديقة بتكليف من الرئيس جون كينيدي عام 1961، تحت إشراف زوجته جاكي صاحبة الذوق الرفيع وصديقتها المقربة باني ميلون.

وعلى مر السنين، شكّلت هذه الحديقة مسرحاً لصور أيقونية لا تُحصى: من لقطة جون كينيدي الابن عام 1963 وهو طفل صغير يرتدي بدلة زرقاء فاتحة، لا يتجاوز طوله ارتفاع الأزهار، إلى صورة الملكة إليزابيث عام 1991 وهي تقدم جائزة تشرشل للرئيس جورج بوش الأب مرتدية قبعة أرجوانية وعقداً من اللؤلؤ، وصولاً إلى دونالد ترامب عام 2017 وهو يصيح في وجه صبي في الحادية عشرة من عمره نال شرف جزّ عشب الحديقة.

لكن تلك الصور الخالدة - بل وحتى مجرد مشهد جز العشب نفسه - باتت من الماضي. إذ جرى رصف الحديقة بالكامل واستبدالها بألواح حجرية بيضاء، تتخللها إضاءات أرضية خفية، وطاولات وكراسٍ بالبياض الصارخ ذاته، أقرب في لونها إلى قلم «تيب-إكس» المستخدم لتصحيح الأخطاء. وفوقها انتشرت مظلات مخططة بالأصفر والأبيض، أقرب إلى مشهد على شاطئ بحر منها إلى قلب العاصمة الأمريكية.

وبالرغم من توقيع ترامب أمراً تنفيذياً نهاية أغسطس ينتقد فيه الطراز الحداثي والوحشي في العمارة، ويُلزم كافة المباني الفيدرالية بـ«تبني العمارة الكلاسيكية» وتشييدها بطريقة «ترتقي بالمساحات العامة وتضفي عليها جمالاً»، فيبدو أن تجديداته الخاصة مستثناة من هذه المعايير. فما كان يوماً ما فضاء ناعماً مُرحباً وكلاسيكياً، بات اليوم صلباً، مبتذلاً، وبلا روح. وما كانت يوماً ما حديقة رائعة، تحوّلت إلى أرضية حجرية قاحلة تشبه، على نحوٍ غريب، مزيجاً من حلبة تزلج على الجليد ورقعة شطرنج عملاقة.

والأدهى من ذلك، أن حديقة الورود في البيت الأبيض أضحت رسمياً - وهذه ليست مزحة - «نادي حديقة الورود». فقد تسرّبت أنباء تفيد بأن الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض ستستضيف مباراة قتالية في قفص ضمن بطولة القتال النهائي في الرابع من يوليو 2026، في إطار احتفالات الذكرى الـ250 لتأسيس الولايات المتحدة (ولِمَ لا؟)، فليس هناك مكان أكثر ملاءمة لمثل هذا الحدث من «نادي حديقة الورود» بعد أن تم تحويله إلى فضاء قاسٍ وخشن.

وقال متحدث باسم البيت الأبيض، في بيان صحفي سابق لافتتاح هذا النادي الجديد: «نادي حديقة الورود في البيت الأبيض هو أكثر الأماكن سخونة في واشنطن، وربما في العالم بأسره». وقد كان من المقرر أن يشهد افتتاحه عشاء فاخراً يضم نحو عشرين من كبار التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا، من بينهم مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، وتيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة آبل، وسام ألتمان مؤسس شركة «أوبن إيه آي».

لكن، ويا للأسف، لم يُكتب لحفل العشاء أن يقام في الهواء الطلق بسبب «سوء الأحوال الجوية». واضطر مليارديرات التكنولوجيا الذين لبّوا الدعوة إلى الاكتفاء بالجلوس في قاعة الطعام الرسمية، حيث تناوبوا على استرضاء الرئيس والتزلف إليه، في الوقت الذي أكد فيه إيلون ماسك أنه تلقى دعوة لكنه رفضها.

لقد سبق أن أثنيتُ على ترامب لإدراكه لقوة المظاهر وتأثيرها، رغم تباين أذواقنا في كثير من الأحيان. وأرى أن اتخاذه منتجع «مارالاغو» مقراً خلال سنوات ما بين الولايتين كان عاملاً أساسياً في عودته إلى الساحة السياسية، فالإقامة في ما يمثل حقيقة نادياً مخصصاً لمؤيديه لم تقتصر على منحه الدعم النفسي والثقة اللازمة لخوض غمار الانتخابات الرئاسية مجدداً، بل مكّنته أيضاً من الاحتفاظ بهالة من النفوذ والوجاهة حتى في فترة ابتعاده عن دوائر السلطة، دون إغفال الميزة الاستثنائية المتمثلة في امتلاك نادٍ خاص رفيع المستوى يستقطب أقطاب عالم التكنولوجيا ويوفر لهم فضاء للتواصل والتفاعل.

هذه المرة أخفقت رؤيته تماماً. وليست حديقة الورود وحدها ما يحاول ترامب تحويله إلى نسخة من مارالاغو، فقد كشف البيت الأبيض النقاب عن مشروع تشييد قاعة رقص فخمة جديدة بألوان بيضاء وذهبية إلى جانب «تحديث» الجناح الشرقي. وعمد الرئيس كذلك إلى تعليق عدة صور شخصية ضخمة على الجدران، وزينات مذهبة في المكتب البيضاوي غطّت الموقد والجدران.

وقد بلغت درجة الابتذال في هذه التعديلات حداً دفع البعض إلى التكهن، بأن كثيراً من تلك الزخارف قد تم شراؤها من متجر «هوم ديبو». ورغم أنني أجد بعض الشبه، إلا أنني لست مقتنعة تماماً بأنها مطابقة. ولم يتلقَ طلبي للحصول على توضيحات أي استجابة من البيت الأبيض، في حين أفادت شركة «هوم ديبو» بأن هذه المسألة «ليست مما يمكننا الإدلاء برأي بشأنه».

وبصرف النظر عن تفاصيل المصدر، فإن الحقيقة الجلية هي أنه بينما يسعى ترامب جاهداً إلى تجديد البيت الأبيض بأسلوب يضفي عليه طابعاً ملكياً راقي المستوى، فإنه يحقق النقيض تماماً.

فالبيت الأبيض الذي يحاول أن يصوغه على طريقة «مارالاغو» لا يستدعي في الأذهان صور قصر فرساي أو قصر باكنغهام، بقدر ما يذكّر بأكثر من مئة قصر شيّدها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والتي استحالت معظمها اليوم إلى أنقاض وأطلال. وبدلاً من أن يُجسّد القوة، يكشف ترامب عن شعور عميق باليأس - يأس في سعيه للظفر بالإعجاب، ونيل الثناء، وفوق كل اعتبار، تخليد إرثه في صفحات التاريخ.