طفرة الذكاء الاصطناعي.. بداية نهضة اقتصادية أم شرارة ركود جديد؟

روبرت أرمسترونغ

ثمة لعبة غريبة يهوى الصحافيون المتخصصون في الشؤون المالية ممارستها، وهي التساؤل: ما الذي يمكن أن يدفع سوق الأصول الخطرة والمبالَغ في تقييمها إلى الانهيار؟ وقد خضت هذه اللعبة مع زميلتي كاتي مارتن، فغالباً ما تنتهي الأسواق الباهظة إلى أن تصبح رخيصة، لكن ليس عبر مسار بطيء تحكمه الجاذبية الطبيعية، بل من خلال تحولات مفاجئة وحادة.

ومن بين الإجابات الأكثر تداولاً عن هذا السؤال: حدوث توقف مباغت في الطفرة الاستثمارية داخل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وهو ما قد يترتب عليه تراجع كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. في هذا السياق، جمع سكاندا أمارناث من مؤسسة «إمبلوي أمريكا» بيانات مطولة عن النفقات الرأسمالية في قطاع التكنولوجيا، والتي تشمل الاستثمارات في معدات معالجة المعلومات، والبرمجيات، والأجهزة، إضافة إلى مراكز البيانات، وقاسها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتتيح هذه المقارنة رصد حجم الطفرة الحالية مقابل فقاعة «الدوت كوم» في تسعينيات القرن الماضي، وأزمة العقارات في عام 2006. واللافت أن طفرة الذكاء الاصطناعي اليوم، تماثل حجمهما تقريباً، إذ تتجاوز 6 % من الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب تقديرات أمارناث، ساهم الإنفاق التكنولوجي وحده بنحو 0.8 نقطة مئوية في نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني. لذلك، أي انعكاس حاد في هذا الاتجاه، كفيل بدفع الاقتصاد الأمريكي، الذي يتباطأ تدريجياً بالفعل، نحو الركود.

ومع ذلك، ربما ينبغي علينا أن نشعر بالارتياح، لأن ارتفاع النفقات الرأسمالية في مجال التكنولوجيا كان أكثر تدريجاً في الأعوام الأخيرة، مقارنة بما كانت عليه الأوضاع في نهاية التسعينيات. تُرى، هل يكون الأمر بمثابة طفرة جزئية، فيما يتمثل الجزء الآخر في تطور طبيعي للاقتصاد؟.

على صعيد آخر، أكدنا خلال الأيام الماضية ما نشعر به من قلق إزاء مخاطر هجوم إدارة ترامب المستمر على استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، واستجابة السوق الشبيهة بسلوك النعامة إزاء هذا الأمر. وقد أشار العديد ممن علقوا على الأمر، وهم محقون في ذلك، إلى أننا أخطأنا في كيفية تعريفنا للخطر. لقد تحدثنا فقط عن المخاطر من حيث سياسة أسعار الفائدة التي تضعها اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، غير أن تحديد الفائدة ليس ما يفعله الفيدرالي حصراً، ومن الممكن القول إن هذا ليس أهم ما يقوم به المركزي.

وكتب مايكل هاويل من «كروس بوردر كابيتال»: «تنطوي وجهة نظري على أن الفيدرالي مهم، لكن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ليست مهمة. وفي حقيقة الأمر، تشير غالبية الأدلة التي تأتي بها البيانات، إلى استجابة اللجنة لتوقعات السوق في تحديد الفائدة، ما يعني أن السوق هي من تقود زمام الأمور».

ربما لن نذهب إلى هذا الحد، لكن النقطة الأساسية، هي أن الأدوار الأخرى التي يقوم بها الفيدرالي، خاصة باعتباره جهة تنظيمية على المصارف ويشرف عليها، ضرورية للأسواق أيضاً. وقد سلّط مات كلاين الضوء على المخاطر في مقال على «أوفرشوت»، قائلاً: «يشرف الفيدرالي على المصارف... ويحتفظ النظام المصرفي التجاري الأمريكي، بما في ذلك المكاتب الأمريكية للمصارف الأجنبية، بقروض تبلغ قيمتها حوالي 13 تريليون دولار.

وليس من الصعب تصوّر كيف يمكن لإدارة تمارس ضغوطاً بالفعل على الشركات لتغيير سلوكياتها في ما يتعلق بكل شيء، من سياسات التعيين وحتى علاماتها التجارية، أن تستغل السلطات الإشرافية الضمنية للفيدرالي في مجموعة واسعة من المآرب».

وتابع: «ماذا لو اضطرت المصارف، أو شُجِعَت بقوة، على توفير قروض بشروط سخية للمقترضين المُفضّلين، بما في ذلك، عائلة وأصدقاء مسؤولي الإدارةـ على سبيل المثال؟».

ولخّص كلاين الأمر، مقتبساً من لورانس سامرز قوله: «إن القدرة على الإقراض هي القدرة على العطاء». لذا، فإن كنت على قناعة بوجهة النظر التي تفيد بأن البيت الأبيض يحاول فرض استحواذ سلطوي على المؤسسات الأمريكية، فربما ينبغي عليك الشعور بالقلق تجاه الجهات التنظيمية أولاً، ثم محددي أسعار الفائدة ثانياً.

كما أن الفيدرالي الذي يحدد أسعار الفائدة قصيرة الأجل عند مستويات منخفضة بصورة اصطناعية، من غير المُرجح أن يخفض الفائدة بصفة عامة، بل على النقيض تماماً. وتميل أسواق الفائدة إلى تجنّب السلطة، أما بالنسبة للقدرة على التأثير في من سيحصل على الائتمان المصرفي، فهذه هي السلطة بعينها.