تأخيرات «إيرباص» و«بوينغ» تثير مخاوف الشحن الجوي

حذرت كبرى شركات الشحن الجوي في العالم من أزمة وشيكة في السعة التشغيلية، مع تقادم أساطيلها وتأخر شركتي «بوينغ» و«إيرباص» في تسليم الطائرات الجديدة.

وقال مايكل ستين، الرئيس التنفيذي لشركة «أطلس إير» الأمريكية للشحن الجوي، في تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز: «إن اختلال التوازن بين العرض والطلب على طائرات الشحن الكبيرة عريضة البدن سيزداد حدة في السنوات المقبلة»، مرجعاً ذلك إلى «موجة متوقعة من تقاعد الطائرات، إضافة إلى محدودية السعة الجديدة في السوق واستمرار التحديات التي تواجه سلاسل التوريد في قطاع الطيران».

وبحسب بيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)، تحمل الطائرات نحو ثلث قيمة التجارة العالمية سنوياً، أي ما يعادل 8.3 تريليونات دولار من البضائع. وقد شكل النمو السريع للتجارة الإلكترونية، إلى جانب ارتفاع حجم الشحنات المنطلقة من آسيا نحو الغرب، عاملاً رئيساً في تعزيز الطلب على الشحن الجوي خلال السنوات الأخيرة.

وأوضح ستين أن نحو 150 طائرة من أصل 630 طائرة شحن عريضة البدن قيد التشغيل عالمياً تقترب أو دخلت بالفعل مرحلة التقاعد، إذ يبلغ عمرها 25 عاماً أو أكثر.

وأضاف أن «الطاقة الاستيعابية الجديدة محدودة للغاية»، مشيراً إلى أن عمليات التسليم تعاني بوضوح بسبب نقص المواد والعمالة لدى كل من «بوينغ» و«إيرباص».

وأكد فرانك باور، مدير العمليات في «لوفتهانزا كارجو»، أن التأخيرات في التسليم «تمثل عائقاً أساسياً».

وبحسب شركة الاستشارات الجوية «آي بي إيه»، هناك تراكم في طلبات شراء 63 طائرة شحن من طراز «بوينغ 777».

وتنتج الشركة الأمريكية أربع طائرات شهرياً من طرازي «777» و«777-9»، في حين بدأت في يوليو إنتاج طرازها الجديد «777-8F»، غير أن أولى عمليات التسليم أُرجئت من 2027 إلى 2028.

وأجلت «إيرباص»، دخول طائرة الشحن الجديدة «A350» الخدمة من عام 2026 إلى النصف الثاني من 2027، بسبب تواصل أزمة سلاسل التوريد. وامتنعت «بوينغ» عن التعليق، في حين لم ترد «إيرباص» على طلب الصحيفة.

وقال لؤي مشعبي، الرئيس التنفيذي لشركة «السعودية للشحن»: «تتسابق شركات الطيران للحصول على سعة شحن إضافية. لذلك ستكون هناك سنوات صعبة مقبلة، وسنواجه ضغوطاً قاسية قبل أن ندرك الأمر».

وأوضح أن بعض المشغلين يحاولون تمديد عمر الطائرات التي تجاوزت 30 عاماً لمواجهة محدودية البدائل المتاحة، لكن «تكاليف تشغيلها تصبح باهظة للغاية، وحتى إن جعلتها آمنة تقنياً، تبقى عبئاً مالياً ثقيلاً». وأضاف: «تكاليف التشغيل مذهلة.. من الصيانة إلى الوقود، وهي في تزايد مستمر».

ويرى محللون أن أي نقص في السعة قد يمنح الشركات قدرة كبرى على رفع الأسعار، إذ يدفع معدلات أسعار الشحن الجوي إلى مستويات عليا، لكن حالة عدم اليقين العالمي، سواء بسبب هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر أو سياسات الرسوم الجمركية المتقلبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تجعل من الصعب التنبؤ بالطلب.

وخلال الأشهر الأخيرة، ألغت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الإعفاءات من الرسوم الجمركية على الطرود منخفضة القيمة القادمة من الصين، وهي امتيازات كانت قد عززت كثيراً نمو التجارة الإلكترونية، ودعمت صناعة الشحن الجوي بفضل سرعة التسليم المطلوبة.

وبحسب بيانات شركة «زينيتا» لمراقبة سوق الشحن، ارتفعت أحجام الشحن الجوي العالمي بنسبة 1% فقط في يونيو على أساس سنوي، لكنها سجلت لاحقاً نمواً بين 4 و5% على مدى شهرين متتاليين.

وقال نيل فان دي ووف، رئيس قسم الشحن الجوي في «زينيتا»: «إن حالة عدم اليقين الكلي توفر في الوقت الراهن بعض الدعم لصناعة الشحن الجوي، لكننا نتجه نحو منطقة مجهولة بسبب المناخ الجيوسياسي العالمي».

وقال ريتشارد فورسون، الرئيس التنفيذي لشركة «كارغولوكس» اللوكسمبورغية: «التجارة الإلكترونية كانت المحرك الرئيس للحاجة إلى سعة إضافية، لكن مع الانخفاض الكبير في الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة، يبقى أن نرى كيف ستتعامل الدول الأخرى مع تدفق التجارة الإلكترونية إلى اقتصاداتها». وحذر من أن معدلات الشحن قد تتراجع إذا استمر تباطؤ الطلب الاستهلاكي والتجارة العالمية.

وأشار فرانك باور من «لوفتهانزا كارجو» إلى أن «التجربة التاريخية تثبت أنه عندما يتأخر العرض عن الطلب، ترتفع المعدلات غالباً، وكانت جائحة كورونا مثالاً واضحاً على ذلك. ومع ذلك، فإن التقلب ليس أمراً غريباً عن القطاع».

ويرى ريتشارد فورسون أن مواجهة هذه التحديات تتطلب ميزانيات عمومية «قوية للغاية»، قائلاً: «على الرغم من أن الطلب على الشحن كان نشيطاً منذ سنوات كورونا وتعزز لاحقاً بفضل التجارة الإلكترونية، فإن التحولات في صناعتنا سريعة، وهي معروفة كذلك بتقلباتها الحادة».