سايمون موندي
مع اقتراب انعقاد القمة المناخية «كوب 30» في البرازيل بعد أقل من شهرين، أعرب عدد من المندوبين عن استيائهم من الارتفاع الكبير في أسعار الإقامة بالأماكن المحدودة بمدينة بيليم الأمازونية، التي ستستضيف فعاليات المؤتمر.
وقبل أيام معدودة، كتب المسؤول المناخي البنمي خوان كارلوس مونتيري غوميز: «المسألة لا تتعلق فقط بالغرف الفندقية، بل بما إذا كنا نتعامل مع هذه العملية الدولية بجدية».
ومع ذلك، يؤكد المسؤولون البرازيليون أن القمة قد تشكل محطة فارقة في العمل المناخي العالمي، وقد تبرهن على قدرة التعاون متعدد الأطراف على الصمود في ظل الضغوط الاستثنائية الراهنة؛ فهل ينجحون في تحقيق ذلك؟
لقد أمضيت الأسبوعين الماضيين في ساو باولو وبرازيليا، حيث أجريت تحقيقات حول المبادرتين الرئيسيتين اللتين تسعى الدولة المضيفة إلى الدفع بهما خلال مؤتمر «كوب 30»، ولاحقاً سنستعرض بتفصيل أكبر الخطة البرازيلية الطموحة لإنشاء صندوق عالمي بقيمة 125 مليار دولار للحفاظ على الغابات.
لكن دعونا أولاً ننظر في الأجندة البرازيلية الأخرى لمؤتمر هذا العام، خصوصاً فيما يتعلق بالدفع باتجاه تعاون دولي يتعلق بآليات تسعير الكربون، فالخطة تواجه بعضاً من العوائق، لكنها تعكس أيضاً تنامي الزخم العالمي المرتبط بتسعير الكربون، وهو ما سيلقي بتداعيات كبيرة على التجارة العالمية والصناعة، وربما أيضاً المناخ.
حتى إن لم يجعل المستضيفون البرازيليون من تسعير الكربون أولوية لمؤتمر «كوب 30»، إلا أنه من المؤكد أنه سيكون مسألة ذات أهمية كبيرة، فاعتباراً من بداية العام المقبل، سيبدأ الاتحاد الأوروبي في تطبيق آلية تعديل الحدود الكربونية «سي بي إيه إم»، وهو ما تسبب في انتقادات لاذعة من جانب البلدان النامية.
وقد وضع الاتحاد الأوروبي قواعد تطالب الشركات في العديد من القطاعات ذات الانبعاثات الكربونية العالية بشراء شهادات كربون بموجب نظام تداول الانبعاثات «إي تي إس». أما الآن، وبينما ترتفع أسعار الشهادات وفيما يتم التخلص من المخصصات المجانية تدريجياً، فيرغب الاتحاد الأوروبي في تفادي وضع صناعاته في موقف تنافسي ضعيف، لذا سيفرض الاتحاد الأوروبي، بموجب آلية تعديل الحدود الكربونية، سعر كربون مكافئ على الواردات.
والأهم من ذلك أن الرسوم المفروضة بموجب آلية تعديل الحدود الكربونية ستخضع للتعديل لخصم أي سعر كربون سددته الشركات بالفعل في بلدها الأم، ويمثل هذا حافزاً لدول أخرى على إعلان أنظمتها الخاصة لتسعير الكربون. وهنا سؤال يطرح نفسه: لِمَ لا تحصل أنت على إيرادات الكربون بنفسك بدلاً من جمع دول أوروبية لها بالنيابة عنك على الحدود؟
لقد أسفر قرب تطبيق آلية تعديل الحدود الكربونية عن فورة في النشاط المرتبط بتسعير الكربون، وقد مررت البرازيل قانوناً أواخر العام الماضي لإطلاق نظام تداول الانبعاثات الخاص بها، والذي سيدخل حيز التنفيذ كلياً بحلول عام 2030، كما تتحرك الصين باتجاه تعزيز نظام تداول الانبعاثات القائم الخاص بها، ويشمل هذا إعلانها منذ أيام عن فرض حدود قصوى على الانبعاثات الصادرة عن الشركات في مختلف القطاعات، كما تحقق دول أخرى، بينها الإمارات وتايلاند، تقدماً في إعلان أنظمة لتداول الانبعاثات.
وقالت كاثرين وولفرام، الخبيرة الاقتصادية لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمسؤولة السابقة في وزارة الخزانة الأمريكية: «لست على يقين إن كان الأوروبيون يدركون حقاً مدى قوة آلية تعديل الحدود الكربونية باعتبارها حافزاً لدول أخرى لاعتماد تسعير الكربون»، وبيّنت: «لقد تفتق عن هذا الأمر حوار عالمي بحق»، لكن قدراً كبيراً من هذا الحوار يعد محفوفاً بالتوتر، إذ اشتكت بلدان عديدة، بينها البرازيل والصين والهند، من أن آلية تعديل الحدود الكربونية ستعاقب، ودون عدالة، الدول النامية التي ما زالت تخطو أولى خطواتها في مسار انتقال الطاقة.
وترغب البرازيل في استغلال رئاستها لمؤتمر «كوب 30» للدفع باتجاه إطار عمل مختلف للتسعير الدولي للكربون، وسيكون نظاماً يعتمد على اتفاق متعدد الأطراف، بدلاً من أن يكون الاتحاد الأوروبي هو الواضع الفعلي الوحيد للمعايير.
وعلّق رافاييل دوبو، المسؤول في وزارة المالية البرازيلية، الذي يلعب دوراً قيادياً في طرح هذا المخطط: «سيتوقف تأسيس سوق عالمي متكامل للكربون على اتفاق 200 دولة ضمن عملية كوب، وهو أمر غير صعب من الناحية السياسية»، لذلك تأمل البرازيل في إقناع الاتحاد الأوروبي والصين بالانضمام إلى «تحالف» جديد، مع الاتفاق على مجموعة أساسية من القواعد التي ستحكم التفاعل بين أنظمة تسعير الكربون العالمية، وعند انضمام هذين الاقتصادين الكبيرين، تتوقع البرازيل تأثيراً «جاذباً» من شأنه استقطاب أطراف أخرى إلى المعادلة.
ويعتمد المُقترح البرازيلي بشدة على عمل مجموعة من خبراء الاقتصاد، في صدارتهم وولفرام من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ولفت دوبو إلى أن إطار العمل العالمي المُقترح يتيح قدراً أكبر من المرونة فيما يتعلق بتخفيض الانبعاثات في الدول النامية، ما سينعكس على حساب رسوم الكربون الحدودية المفروضة على صادراتهم، ويمكن إعفاء الدول الأقل نمواً من هذه الرسوم تماماً. أما الإيرادات النابعة من الرسوم الحدودية، فأوضح أنه يمكن استخدامها جزئياً على الأقل لأغراض التمويل المناخي في الدول الأقل دخلاً.
وأشار دوبو إلى إبداء كل من الاتحاد الأوروبي والصين تقبلاً للفكرة، غير أن أي منهما لم يقدم التزاماً ناحيتها؛ فالاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص لديه أسباب واضحة للقلق، تتمثل في أن أي تحفيف لقواعد آلية تعديل الحدود الكربونية سيشكل خطراً بوضع صناعاته المحلية في موقف تنافسي ضعيف مقارنة بالمنافسين الأجانب الأعلى تلويثاً.
وسلطت هييغي فييلهايم، رئيسة محللي الكربون لدى شركة «فيت» للبحوث، الضوء على أن الجهود المتعلقة بتسعير منسق عالمياً بشأن الكربون موجودة منذ اتفاقية كيوتو عام 1997، غير أنها لم تسفر عن نجاحات كبيرة.
ومع ذلك ومع مواجهة الاتحاد الأوروبي انتقادات من جانب الدول النامية بشأن التداعيات الواقعة عليها جراء آلية تعديل الحدود الكربونية ولوائح تنظيمية بيئية أخرى، وفي ضوء الصعوبات التي تواجهه في سبيل إحراز تقدم على صعيد تعهداته المرتبطة بالتمويل المناخي الدولي، فربما سيبدو الانخراط مع المقترح البرازيلي كأنه تحرك جيوسياسي ذكي.
ويعتقد ديرك فوريستر، رئيس جمعية التجارة الدولية للانبعاثات، وهي مجموعة أعمال، أن المبادرة تعكس نهجاً أكثر توكيداً من جانب الاقتصادات النامية لدور أكبر بشأن العمل المناخي الدولي.
وبالنسبة للصين فهذه فرصة أخرى لتقدّم نفسها باعتبارها رائدة في المسائل المناخية، خلافاً للحكومة الأمريكية التي يترأسها دونالد ترامب، والتي انسحبت من اتفاقية باريس للمرة الثانية، وفي ضوء الموقف المهيمن الذي تتمتع به الصين في العديد من أركان اقتصاد الطاقة الخضراء، فإن لديها مصالح في دعم مبادرات من شأنها تسريع وتيرة الانتقال العالمي، بحسب ما جاء عن دوبو، لكن يوجد خطر واضح يواجه هذه المبادرة، وهو المعارضة المحتملة من جانب إدارة ترامب، التي مارست ضغوطاً بالفعل على الاتحاد الأوروبي لتخفيف قواعد آلية تعديل الحدود الكربونية، وتمارس أيضاً ضغوطاً اقتصادية أوسع نطاقاً ضد البرازيل.
