لماذا فشل النمو المطرد لحركة السفر في توحيد العالم؟

جانان غانيش

تشهد حركة السفر الدولي نمواً مطرداً منذ عقود، ومع ذلك تتصاعد في الوقت ذاته موجات الانغلاق والقومية. وهذا التناقض يتحدى المنطق السائد. ورغم أن أحداً لم يزعم - باستثناء قلة أو مارك توين في سخريته المعهودة - أن السفر وحده كفيل بالقضاء التام على التعصب، إلا أن المنطق كان يقتضي تراجع العداوات، مع ازدياد احتكاك الشعوب ببعضها البعض.

والشواهد على هذه المفارقة لا تُعد ولا تُحصى - فالعلاقات الصينية الغربية دخلت مرحلة من التوتر المتصاعد منذ 2012، رغم أنها جاءت عقب حقبة ذهبية، شهدت تدفقاً غير مسبوق للطلاب والسياح بين الوجهتين. وفي أوروبا، نجد أن البريطانيين والإيطاليين - وهم من أكثر شعوب العالم ولعاً بالترحال - انحازوا في العقد الأخير لخيارات سياسية ذات صبغة قومية واضحة. أما في الولايات المتحدة، فالمفارقة أشد وضوحاً: ففي عام 1995، لم تتجاوز نسبة من يخططون للسفر خارج البلاد 8 %، لترتفع إلى ما يزيد على الخُمس بحلول 2023 – ففي أي الحقبتين كانت أمريكا أكثر انفتاحاً وتفاعلاً مع العالم؟.

لقد تحولت نبوءة مارك زوكربيرغ حول قدرة التواصل الإلكتروني على «جمع شمل العالم»، إلى مادة للتندر، لكن الناس على الأقل يجترئون على الاعتراف بهذا الإخفاق. وفي الأوساط الأوروبية، لا تزال الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من الأمريكيين لا يحملون جوازات سفر، كفيلة بانتزاع الضحكات في مآدب المتذاكين، متجاهلين حقيقة أن جواز السفر لم يكن مطلوباً في رحلات معينة قبل 2007. ولكن حتى لو تجاوزنا هذه الإشكالية، يبقى السؤال: وماذا يعني ذلك فعلاً؟.

وفي حين كانت نسبة حاملي جوازات السفر بين الأمريكيين لا تتعدى 3 %، اختارت أمريكا جورج بوش الأب - الدبلوماسي المخضرم ومدير الاستخبارات السابق، والرئيس الأكثر توجهاً نحو العالم. أما اليوم، ومع اقتراب النسبة من النصف، يتربع دونالد ترامب على كرسي الرئاسة.

فما سر إخفاق السفر إذن؟ التفسير الأكثر تفاؤلاً، هو أن عوامل أخرى، مثل الهجرة، هي التي غذت النزعة القومية المتصاعدة بقوة، وأن الأوضاع كانت ستزداد سوءاً، لولا الطفرة الهائلة في أعداد المسافرين. وثمة تفسير آخر، مفاده أن الزيادة الحاصلة في السفر، تعود بمعظمها إلى فئات كانت تحمل أصلاً توجهات منفتحة، بينما يواصل أولئك الأحوج للاحتكاك بالآخر، تجنب هذه التجربة.

لا شك أن هذه التفسيرات منطقية، لكن ثمة احتمالاً ثالثاً لا يقل وجاهة: ربما كان الخطأ الأساسي يكمن في تحميل السفر أكثر مما يحتمل من مزاعم مثالية. فلو صحّ أن الاختلاط عبر الحدود يعمق روابط التعاطف الإنساني، لتمتعت أوروبا بتاريخ أقل اضطراباً. والحقيقة أن بإمكان المرء أن يكون قومياً متعصباً، رغم اطلاعه الواسع على العالم، كما يمكنه التفاعل مع ثقافة ما، مع رفضها في الوقت ذاته. وإلا لكانت الفترات التي أمضاها لينين، وهو تشي منه، وتشوان لاي، كفيلة بانتزاع أفكارهم المتشددة، بدلاً من أن تعمق إدراكهم للاختلافات الحضارية.

لا ريب أن السفر متعة لا تُضاهى، وقد يشكل إضافة معرفية قيّمة لمن يصل إلى وجهته مزوداً بقراءات مسبقة - شريطة ألا يقع في فخ المبالغة في تقدير ما يشاهده شخصياً. لكن هل السفر حقاً جسر للتواصل الإنساني.. أو تذكير بالوحدة الجوهرية للبشرية؟ لو كان كذلك، لتوقعنا تراجع المشاعر القومية، لا اندلاعها، خاصة في عصر الطيران الميسور، والستار الحديدي المنهار، والصين المنفتحة على العالم في كلا الاتجاهين.

ولتفسير هذا التناقض، يحاول البعض التفريق بين «السياحة» السطحية و«السفر» الحقيقي - وهو تمييز أراه مجرد تصنيف طبقي، لا يختلف عن التفريق بين «المغتربين» و«المهاجرين».