اتفاقيات بريطانيا التجارية ليست مثالية.. لكنها أفضل من لا شيء

شهدت بريطانيا خلال الأيام القليلة الماضية توجهاً نحو إبرام الصفقات. وقد أعلنت في هذا السياق عن اتفاقية لخفض الرسوم الجمركية المُحتملة على صادراتها من السيارات والصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة، ما يجعلها أول دولة تحصل على إعفاء من دونالد ترامب منذ أن أعلن عن خططه للرسوم الجمركية العالمية الشهر الماضي.

كذلك، وافقت المملكة المتحدة على اتفاقية تجارية مع الهند كانت قيد الإعداد لمدة ثلاث سنوات. ولا تُمثّل الاتفاقيتان الصفقات الأمثل من وجهة نظر بريطانيا، ولن يكون لهما تأثير يُذكر على مسار نموها الاقتصادي. مع ذلك، هناك إيجابيات يُمكن استخلاصها من كليهما، وهما أساسٌ للحكومة للبناء عليه.

فعندما يسود عدم اليقين، تكتسب القرارات السياسية السريعة أهمية أكبر. ويُحدد الاتفاق الأمريكي رسومه الجمركية بنسبة 10 % على معظم مبيعات السيارات البريطانية، ويُلغي رسوم الصلب والألمنيوم تماماً، مقارنةً بنسبة 25 % التي كانت مطروحة. وهذا يُوفّر على الأقل راحةً على المدى القريب لكلا القطاعين وسلاسل التوريد والعمال.

وتُعدّ «المعاملة التفضيلية الكبيرة» للأدوية البريطانية من أي رسوم جمركية أمريكية مستقبلية ميزة إضافية. ولا ينبغي إغفال كون رئيس الوزراء السير كير ستارمر أول زعيم عالمي يُبرم صفقة مع الرئيس الأمريكي. وبالنسبة للمستثمرين، يُشير هذا إلى أن المملكة المتحدة قد تكون بمنأى نسبياً عن أجندة ترامب الحمائية.

من ناحية أخرى، تُقرّب الاتفاقية مع الهند المملكة المتحدة من أحد أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم. فهي تُخفّض الرسوم الجمركية على أكثر من 90 % من صادرات السلع البريطانية إلى الهند، مع مزايا خاصة لقطاع الأغذية والمشروبات. ومع تزايد الحواجز الجمركية في جميع أنحاء العالم، يُعتبر هذا فوزاً، لكنه «رمزي» للتجارة الحرة على نطاق أوسع. وإلى جانب الاتفاقية الأمريكية، تُكرّر الاتفاقية عزم بريطانيا على البقاء منفتحة على الأعمال التجارية العالمية.

ومع ذلك، يجب وضع هذه الاتفاقيات في منظورها الصحيح. فالاتفاقية مع أمريكا ليست سوى نتيجة أقل سوءاً للمملكة المتحدة، مقارنةً بالرسوم الجمركية الأمريكية التي واجهتها قبل تنصيب ترامب. ولا تزال المملكة المتحدة تواجه رسوماً جمركية شاملة بنسبة 10 % على سلع أخرى. وقد أعلن الرئيس الأمريكي عن خطط لفرض رسوم جمركية بنسبة 100 % على الأفلام الأجنبية منذ أيام، الأمر الذي من شأنه أن يُلحق ضرراً بالغاً بصناعة السينما البريطانية المزدهرة، ولكن لم يُذكر هذا في إعلان اتفاق الخميس.

ومن المتوقع أيضاً أن يعزز الاتفاق مع الهند الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة على المدى الطويل بنسبة 0.1 % سنوياً فقط، بحلول عام 2040. ويركز الاتفاق بشكل كبير على السلع، مع تفاصيل محدودة حول كيفية زيادة فرص الوصول إلى الهند لقطاع الخدمات البريطاني الأقوى. كما أن الخلاف في ويستمنستر حول منح أصحاب العمل والموظفين الهنود مهلة لمدة ثلاث سنوات لتجنب دفع اشتراكات التأمين الوطني البريطاني يُهدد بتقويض أي مكاسب سياسية قد يحققها ستارمر من الاتفاق.

لذلك، يجب تطوير كلا الاتفاقين بشكل أكبر. وينبغي لستارمر أن يبني على علاقاته مع ترامب، ليس فقط لحماية بريطانيا من شغف الرئيس بفرض رسوم على الواردات، بل أيضاً لإيجاد سبل لخفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية المتبادلة. ومع الهند، ينبغي للمملكة المتحدة أن تستغل زخم الاتفاق لتسهيل أعمال قطاع الخدمات المهنية هناك، بما في ذلك الضغط من أجل الاعتراف المتبادل بالمؤهلات.

ومع ذلك، فإن أكبر إمكانات المكاسب الاقتصادية المتعلقة بالتجارة لبريطانيا تكمن في الداخل، من خلال تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال أكبر شريك تجاري لها. وربما يكون رفض الحكومة منح الولايات المتحدة تنازلات كبيرة بشأن معايير الغذاء ورعاية الحيوان قد أضعف اتفاقها مع ترامب، لكنه يزيد من فرصة التوصل إلى اتفاقية تجارية أكثر جدوى بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن المواد الغذائية.

إن براغماتية ستارمر وسرعته في إبرام الصفقات التجارية تُعد أمراً منعشاً لحكومة لا تزال بحاجة إلى إثبات قدرتها على تحقيق أهدافها للبلاد. ولكن عندما يتعلق الأمر بتعزيز النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة، فإن الاتفاقيات حتى الآن لا تعدو كونها عرضاً جانبياً.