جوناثان غوثري
قد يخالج بعض الليبراليين شعور بالأسف الخفي لعدم انهيار سوق الأسهم الأمريكية، إذ يعتبرون إدارة ترامب غير ليبرالية سياسياً، ومتهورة اقتصادياً؛ وعليه يرون أن مؤشر «إس آند بي 500» يجب أن يكون بمثابة العصا التي تعاقَب بها الإدارة الأمريكية.
وحتى الآن، لم توجه الأسواق الأمريكية سوى ضربتين خفيفتين للبيت الأبيض. وقد بدا هذا العقاب أخف كثيراً من التشاؤم الذي يثيره دونالد ترامب في نفوس العديد من الليبراليين.
ويعد هذا الانفصال مثالاً واضحاً لإخفاق افتراضات مجموعة ثقافية كبيرة حول أدوات التأثير في الواقع المالي. وهناك جانب آخر من هذا الوهم يشار إليه بأنه اختصار لما هو «غربي، ومتعلم، وصناعي، وثري، وديمقراطي».
ولهذا ينظر عادة إلى مدير الصندوق السويدي العازم على الانخراط في سوق الأسهم بكمبوديا، وفق الديناميكيات المعمول بها في ستوكهولم، على أنه «غريب».
ويعد وصف «غريب» هنا وتفرعاته مهماً للغاية في عالم التمويل السلوكي. ويمكن للبحوث السلوكية أن تساعد المستثمرين في القطاع الخاص على تقليل التحيّزات التي تسفر عن خسارتهم، لكن المصطلح قد يكون تحيّزاً من الباحثين السلوكيين أنفسهم.
ويعتبر دانيال كانيمان أبرز وأشهر هؤلاء الباحثين السلوكيين، ويعود الفضل في ذلك إلى كتابه الأبرز الذي نشره عام 2011 بعنوان «التفكير السريع والبطيء». وقد فحصت الكثير من التجارب التي دوّنها في كتابه حول الاستجابات البشرية لمختلف السيناريوهات المالية، وكان طلاب الجامعات الأمريكية غالباً هم فئران هذه التجارب.
لذا فقد اعتمد التخصص الفرعي الذي أشاعه بشدة على عينات اجتماعية محدودة من أجل التوصل إلى استنتاجات تنطبق ضمنياً على الجميع. وربما يكون هذا أحد الأسباب وراء صعوبة تكرار بعض تجارب التمويل السلوكي هذه. ويعد علم النفس بصفة أعم في قلب ما يطلق عليه «أزمة التكرار».
ولذلك خلص بين كومار، رئيس استراتيجية الأسهم لدى «سيفين آي إم إنفستمنت»، إلى أنه «ليس ثمة نظرية عامة في علم النفس يمكن تطبيقها على الجميع». وأوضح أن غالبية المستثمرين يخشون الخسائر أكثر مما يرحبون بالمكاسب المقابلة.
وكانت الحياة لتغدو أسهل على المستثمرين في القطاع الخاص إذا كان السلوك البشري أكثر قابلية للتنبؤ به. وحسب الملاحظة الساخرة للخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز، فقد قال: «في عالم الاستثمار، فإننا نكرّس ذكاءنا للتنبؤ بما يتوقعه الرأي العام بشأن ما سيكون عليه الرأي العام!».
وبعض جوانب الاستثمار عابرة للحدود، لذا تقول تارا سابري كولييه، المديرة الكبيرة للاستثمار المؤثر لدى شركة «كيمونيكس يوروب»: «الرياضيات لغة عالمية، فإما أن تكون في الزمرة العليا من الأداء أو لا؛ ومع ذلك يتطلب فهم محركات العائد المالي أو التأثير الاجتماعي معرفة بالسوق المحلية، ومن الأفضل أيضاً أن يكون هناك حضور في السوق».
وتعتمد بعض المعايرات بشدة على السياق، ففي الصين، وحينما تنضم شركة إلى السوق، ينتظر أن ترتفع أسهمها على نحو حاد في أول أيام التداول. وتعد مكاسب الأسهم التي تتخطى 50% أمراً عادياً.
وفي المملكة المتحدة، يأمل المستثمرون في تحقيق «قفزة» في اليوم الأول بحدود 10%. وإذا حقق السهم مكاسب تفوق هذه النسبة، فسيتناقل المستثمرون همسات عن أن سوق لندن يسودها تسعير منخفض. وربما سيضطر مصرفيو الاستثمار المسؤولون إلى تغيير هوياتهم في هذه الحالة واللوذ بالفرار.
وتشير البحوث إلى أن العدد المهول من المستثمرين الأفراد في الصين غالباً ما ينظرون إلى سوق الأسهم باعتبارها شكلاً من أشكال اليانصيب، لذلك فقد يكون ارتفاع التقلبات عامل جذب وليس منفّراً. وقد يكون الميل إلى المضاربة هو الجانب المقابل من السعي المتوازي نحو الاستقرار، وهو ما ينعكس بشدة على هيئة استثمارات هائلة في الذهب والعقارات.
وكثيراً ما يشار إلى التناقضات بين المجتمعات الغربية والآسيوية باعتبارها دليلاً على توصيف «غريب». وينبع هذا الدليل المزعوم من «تجربة سمكة ميتشغين»، وهي تجربة تُعرَض فيها مشاهد من تحت الماء على المشاركين. ولاحظ الأمريكيون، في إثبات لصورتهم النمطية الفردية، وجود الأسماك الكبيرة، بينما تذكّر المشاركون اليابانيون المشهد في هيئته الكلية ولاحظوا وجود أسماك صغيرة وأعشاب أيضاً. وربما كان البريطانيون يفكرون في مدى لذة تناول هذه الأسماك عند قليها وتقديمها بجانب البطاطا!
وتوجد ثقافة خاصة فيما يتعلق بالاستثمار في المملكة المتحدة، مثلما هي الحال في أمور أخرى.وذكر كومار: «ثمة انحياز في المملكة المتحدة نحو القيمة، خلافاً للانحياز تجاه النمو في الولايات المتحدة». وتابع: «كما يرغب الأمريكيون دائماً في ابتكار الشيء الكبير التالي».
وقد يضيف تعليق ساخر أن البريطانيين دائماً ما يرغبون في سحق الشيء الكبير التالي. ولعل الزمرة العليا من كبرى الشركات في المملكة المتحدة لم تتغير كثيراً طوال عقود، فقد سددت توزيعات أرباح مستقرة بينما كانت الولايات المتحدة تستوعب الثورة التكنولوجية.
وباعتباري ليبرالياً، يتمثل شعوري الغريزي في أن حكومة ترامب ستكون سلبية للغاية للأعمال. لكن، وحسب إشارة كينز، فإن مهمة المستثمرين تتعلق باستنباط الرأي العام، وليس الرجوع إلى معتقداتهم الخاصة.
وتوضح مستويات «إس آند بي 500» توازن وجهات النظر بين من هم على شاكلتي من المتشائمين وآراء المستثمرين المؤيدين لترامب أو الذين لا يبالون به. ويبدو الاستنتاج الذي توصلت إليه السوق حالياً هو: «انتبه إلى ما يقوله ترامب بافتراض أنه قد يمضي قدماً فيما يعلنه».
وكان مما عوّض جزئياً الأضرار التي لحقت بتوقعات الأرباح جراء عدم اليقين الناجم عن التعريفات الجمركية هو تحسّن التوقعات بشأن كبرى شركات التكنولوجيا، لكن تقويض المؤسسات الديمقراطية الأمريكية محبط للغاية، غير أن الأمر يظل هامشياً للغاية بالنسبة للتوقعات الاقتصادية الفورية إلى درجة أنه لا ينعكس على أسعار الأسهم.