قد يتساءل البعض. ولا عجب في ذلك، فحتى وقت قريب لم تكن هذه الكلمة تُستخدم إلا نادراً؛ ذلك لأن الكلمة تصف كيف يمكن للحكومات استخدام السياسات الاقتصادية والمالية لفرض النفوذ جغرافيا.
ولكن في الإطار الفكري للسوق الحرة في القرن العشرين، وهو الإطار الذي بنى فيه معظم المهنيين الغربيين مسيرتهم المهنية، ساد الاعتقاد بأن المصلحة الذاتية الاقتصادية العقلانية هي المسيطرة، لا السياسة، التي بدت وكأنها مشتقة من الاقتصاد، وليس العكس.
لم يعد الأمر كذلك الآن، فقد صدمت الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العديد من المستثمرين، لأنها تبدو غير عقلانية بمعايير الاقتصاد النيوليبرالي.
وسواء أكان هذا «عقلانياً» أم لا، فإنه يعكس تحولاً نحو عالم تراجع فيه الاقتصاد إلى مرتبة ثانوية مقارنة بالألعاب السياسية، ليس فقط في أمريكا، بل في أماكن أخرى كثيرة حول العالم.
ويحث دان أليفاريوس، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية، الشركات الآن على إنشاء منصب جديد هو «كبير مسؤولي الجغرافيا السياسية»، أو «كبير مسؤولي الجغرافيا السياسية»، «للتعامل مع الخطوط الفاصلة التي تزداد ضبابية بين التجارة وحكم الدولة»، خاصة بعد أن «غيّرت الحكومات القواعد».
وجاء تحول آخر بعد الحرب العالمية الثانية، عندما ترسخت مبادئ الاقتصاد الكينزي، ثم في ثمانينيات القرن الماضي، عندما حلت أفكار السوق الحرة النيوليبرالية محل الكينزية.
وحقيقة أن البندول الفكري يتأرجح الآن مرة أخرى نحو المزيد من الحمائية القومية (مع جرعة من الكينزية العسكرية)، تتناسب مع نمط تاريخي، على الرغم من أن قلة فقط توقعت أن يتخذ هذا التأرجح هذا الشكل.
ويجب على المستثمرين أيضاً ملاحظة أن داليو يشير إلى أن مثل هذا الصراع نادراً ما يُحل بسرعة أو بسلاسة، وخاصة عندما تكون هناك دورة ديون متضمنة.
أو كيف تستخدم اليابان حيازاتها من سندات الخزانة «كورقة» في محادثات التجارة. وهذا يعني أن سياسات التكنولوجيا والتجارة والمالية والعسكرية تتداخل بطريقة لم نشهدها خلال العصر النيوليبرالي.
ولفهم ذلك، لننظر إلى كتاب جديد لافت بعنوان «السياسة الصناعية للولايات المتحدة» لمارك فاستو، وإيان فليتشر، وهما اقتصاديان مفضلان لدى جمهور ماغا، وهما يؤيدان الرسوم الجمركية، لكنهما يشددان أيضاً على ضرورة تطبيق سياسات صناعية أخرى، مستشهدين بكوريا الجنوبية واليابان والصين وألمانيا كأمثلة تحتذى.
وذلك كله يرعب العديد من المراقبين، خاصة أولئك الذين نشأوا في تلك الحقبة النيوليبرالية. ومن المهم ألا تتوقعوا أن يعود البندول الفكري إلى مساره قريباً، فحتى لو أبرمت الولايات المتحدة بعض الصفقات التجارية، كما يشير دان إيفاسكين من شركة بيمكو، فإن شغف ترامب بالرسوم الجمركية متأصل.