آنذاك، حظي السيناريو (ب)، الذي يشير إلى «نمو اقتصادي محموم»، بأكبر حصة من الأصوات، يليه مباشرة السيناريو (د)، الذي ينذر بـ«ركود تضخمي»، لكن لا شك في أن الأوضاع قد تبدلت بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين، فقد شهدنا انحساراً نسبياً للتضخم، بينما فاجأت سياسات الرئيس ترامب المتعلقة بالتعريفات الجمركية، من حيث نطاقها، وحدتها، الأسواق.
لذا دعونا إذن نراجع التوقعات، وإليكم الحُجج، التي تصب في كل من هذه الاحتمالات، ووفق ما نراه حالياً.
لكن التضخم كان يسلك الاتجاه الصحيح، ويبدو مجلس الاحتياطي الفيدرالي وكأن لديه من المجال ما يمكنه من الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة.
واتسمت بيانات العمل بالقوة، وذلك على الرغم من انخفاض المعنويات، وقد يتراجع الرئيس الأمريكي عن التعريفات الجمركية، أو أن يتوصل إلى اتفاقيات تجارية معقولة، ويمكن للتخفيضات الضريبية، وتخفيف القيود التنظيمية أن يُبقيا على استمرار النمو وانخفاض معدل البطالة.
ويبدو أن عدم شعورنا بارتفاع التضخم بعد يعد مسألة وقت، لأن المخزونات التي تراكمت بسبب تسارع وتيرة الواردات ستنفد بمرور الوقت.
وقد تقرر الشركات رفع الأسعار استباقياً، ويعتقد عُمير شريف من «إنفليشن إنسايتس» أننا سنشهد زيادة في الأسعار بتقرير مؤشر أسعار المستهلكين، الذي يصدر الأسبوع المقبل، على أن تكون البداية من الأثاث المنزلي.
وإن كانت تحتوي على تعريفات أعلى، تعزيز استثمارات الشركات والاستهلاك أيضاً، لكن عدم اليقين قاتل لكل من الأسواق والكثير من الشركات، لكن حتى وإن ظلت الأمور غامضة على ما هي عليه فلن يعني هذا تباطؤ الاقتصاد.
ولفت ستيفن براون من «كابيتال إكونوميكس» إلى أنه «حسب ما أظهر تقرير الوظائف لشهر أبريل فمن غير المحتمل أن تقرر الشركات تجميد الاستثمار وخطط التوظيف كلياً، بسبب عدم اليقين ذي الصلة بالسياسة التجارية المستقبلية».
ومن المُرجح أنها ستواصل تراجعها، ويعني هذا أن القوى العاملة ستنمو على نحو أبطأ، وأن الولايات المتحدة ستكون بحاجة إلى إضافة عدد أقل من الوظائف في كل شهر لكي تحول دون ارتفاع معدل البطالة بصورة حادة.
ومن شأن التعريفات الجمركية أو عدم اليقين أن يتسببا في تثبيط الاستهلاك بقدر كبير إلى الحد، الذي سيجعل التداعيات السعرية الناجمة عن التعريفات الجمركية محدودة، لكن ثمة عوائق أمام ذلك.
وربما لن يتضرر المستهلكون الأمريكيون كثيراً، وهم الذين واصلوا الإنفاق الكثيف، إذا واصل ترامب التراجع عن تعريفاته الجمركية، لكن إذا مضى ترامب في تعريفاته فمن الممكن أن ذلك سيؤدي إلى تأثر الأسعار بدرجة أكبر.
بالإضافة إلى ذلك إذا ظلت الأسعار مقيدة، وتباطأ الاقتصاد على نحو بالغ، سيكون لدى الفيدرالي مجال لخفض الفائدة، ما سيعزز النشاط المحلي، وربما يعود بنا من جديد إلى احتمالية «في وضع جيد».
لكن، بحسب إشارة مانوج برادان في «توكينغ هيدز ماكرو»، توجد أيضاً احتمالية أن يؤدي تضافر التباطؤ الاقتصادي وانحسار الهجرة إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات أعلى، وليس العكس.
وقال: «في حالة تساوي المعروض من العمالة والطلب، وعلى الرغم من أن ذلك سيبقي على استقرار معدل البطالة، إلا أنه يشي بتسارع نمو الأجور، ما سينعكس على هيئة ارتفاع في تضخم الخدمات.
وإذا ما اقترن ذلك بتراجع الإنفاق الرأسمالي فسيشير ذلك إلى محدودية النمو المحتمل، ما قد يعني فجوة إنتاج أقل سلبية، وهو ما سيحول دون انخفاض التضخم كثيراً».
وبالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، خاصة الأثرياء منهم الذين يشكلون أغلب الاستهلاك، فهم ما زالوا يتمتعون باحتياطي مالي جيد، لذا فإن التباطؤ قد لا يُجهز على التضخم، لكن من المؤكد أن الأسعار المرتفعة ربما تلوح في الأفق.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد ما زال قوياً إلا أن هناك غيوماً تلوح في الأفق، خاصة في ظل انخفاض مشتريات السلع المعمرة، وترجيح المُصنّعين ومقدمي الخدمات زيادات في الأسعار، وتباطؤ التجارة بالفعل مع الصين بحسب بيانات الشحن.
وخلال الوقت الراهن يبدو أن موازنة ترامب ستزيد العجز، وإن كان بصورة أقل من سابقيه، ما يعني أن التحفيز المالي سيكون أقل، لكن هذا قد يتغير، إذا تسبب التباطؤ الأكثر وضوحاً في أن تكون سوق السندات والمتشددون في الحزب الجمهوري بشأن الموازنة أكثر مرونة.