تشينج لينج - صن يو - جو ليهي
استرعى خبر صحفي نُشر في وقت سابق من هذا العام انتباه كبار المسؤولين في هيئة إدارة النقد الأجنبي الصينية، المسؤولة عن إدارة احتياطي البلاد الهائل من العملات الأجنبية الذي يُقدر بتريليونات الدولارات، حيث تناول العنوان قرار إدارة ترامب بإجراء إعادة هيكلة شاملة لمجالس إدارة مؤسستي فاني ماي وفريدي ماك العقاريتين.
وقد دفعت هذه التطورات المسؤولين الصينيين إلى التحرك السريع، فأصدروا توجيهات عاجلة إلى فريق متخصص في إدارة الدولة للنقد الأجنبي لإطلاق عملية تقييم شاملة تستهدف دراسة التداعيات الاستثمارية المحتملة لهذا التغيير الإداري.
وتضمّنت المراجعة تحليلاً معمقاً لمؤسستَي توحيد الرهن العقاري المدعومتين حكومياً، واللتين تتولّيان تجميع القروض السكنية الممنوحة من البنوك التجارية وتحويلها إلى أوراق مالية تُطرح للمستثمرين، علماً بأن هاتين المؤسستين خضعتا للتأميم من قِبل الحكومة الأمريكية إبان الأزمة المالية، بينما تشير التقارير إلى أن دونالد ترامب يدرس إعادتهما إلى الملكية الخاصة.
وما أثار اهتمام المسؤولين في هيئة إدارة النقد الأجنبي الصينية هو رؤيتهم للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري - التي تتمتع بضمان ضمني من الحكومة الأمريكية - بل وحتى الحصص في فاني ماي وفريدي ماك ذاتهما، كبدائل محتملة لسندات الخزانة الأمريكية.
لقد شكّلت سندات الحكومة الأمريكية دائماً الركيزة الأساسية لاحتياطيات الصين من النقد الأجنبي البالغة 3.2 تريليونات دولار، ولم تظهر حتى الآن أي مؤشرات علنية على تغيير هذه الاستراتيجية، رغم فرض التعريفات الجمركية والتقلبات المتواصلة في السياسة الأمريكية.
وأكد زو لان، نائب محافظ بنك الشعب الصيني، خلال إحاطة إعلامية منذ أيام، أن المحفظة الاستثمارية «متنوعة بشكل فعّال بالفعل»، مشيراً إلى أن «تأثير التقلبات في أي سوق معين أو أصل منفرد على احتياطيات الصين من النقد الأجنبي يظل محدوداً بشكل عام».
ومع ذلك، أعرب العديد من المستشارين والأكاديميين عن مخاوفهم، حيث حذّر يانغ بانبان وشو تشي يوان، الباحثان البارزان في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، في مقال نُشر الشهر الماضي بالقول: «لم يعد أمان سندات الخزانة الأمريكية أمراً مسلّماً به.. تلك الحقبة انتهت، وينبغي أن نشعر بالقلق إزاء هذا التحوّل من منظور حماية حيازاتنا من سندات الخزانة».
ومع سعي ترامب لتفكيك النظام التجاري العالمي وتوجيهه انتقادات علنية للاحتياطي الفيدرالي، بدأ المستثمرون على نطاق أوسع في التشكيك بمكانة الدولار وسندات الخزانة كملاذ آمن.
وقد أذكت موجة البيع التي طالت سندات الخزانة الأمريكية في أبريل، عقب إعلان ترامب فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على الشركاء التجاريين لأمريكا، مخاوف واسعة في واشنطن وأماكن أخرى من احتمال لجوء الصين إلى «هجوم انتقامي» عبر بيع حيازاتها من سندات الخزانة، مما قد يؤدي إلى تقلبات حادة في أصل يحظى بإقبال كبير من البنوك المركزية ومديري الأصول وصناديق التقاعد حول العالم نظراً لاستقراره.
ووصف أحد المقربين من إدارة النقد الأجنبي الصينية العملية الاستثمارية للصين بمصطلح «تينغنو»، وهو تعبير صيني يعني «المناورة المتقنة على حبل مشدود»، حيث تسعى بكين لتحقيق توازن حساس بين السيولة والأمان والعوائد المستقرة، وإن كانت متواضعة نسبياً.
لكن التقلبات السياسية وعدم إمكانية التنبؤ بقرارات واشنطن تشكّل تحدياً كبيراً لإدارة النقد الأجنبي الصينية المعروفة بنهجها الحذر والبطيء في اتخاذ القرارات، حيث يرى مراقبون أنه حتى استراتيجية «تينغنو» باتت غير قابلة للاستمرار في ظل المتغيرات الحالية. ويُعد الاعتماد الكبير لبكين على الأصول المقومة بالدولار نتيجة طبيعية للطفرة الاقتصادية التي قادتها الصادرات الصينية والفائض التجاري المستمر مع الغرب لعقود طويلة.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي الصيني، وصلت احتياطيات الصين المقومة بالدولار إلى ذروتها عند نحو 4 تريليونات دولار في 2014، وظلت فوق مستوى 3 تريليونات منذ 2016. ورغم عوائدها المنخفضة نسبياً، شكلت سندات الخزانة الجزء الأكبر من هذه الاحتياطيات، نظراً لأمانها، وسيولتها، وتوفيرها عوائد ثابتة – على عكس الذهب.
وتُظهر بيانات إدارة النقد الأجنبي الصينية أن الأصول الدولارية مثلت 60% من إجمالي الاحتياطيات بين عامي 2014 و2018، ومعظم هذه الأصول كان في سندات الخزانة. وفي الآونة الأخيرة، برزت بوضوح مخاطر الاعتماد المفرط على سندات الخزانة في تشكيل المحفظة الاستثمارية.
وحذر يو تشياو، الأستاذ بجامعة تسينغهوا والمستشار الحكومي، من أن «الحيازات الضخمة والمركزة من أصول ذات عوائد منخفضة قد تتعرض لخسائر كبيرة في القوة الشرائية في ظل ارتفاع التضخم». وبدأت إدارة النقد الأجنبي الصينية في إعادة هيكلة محفظتها المقومة بالدولار في 2017، وتسارعت وتيرة التغيير عقب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في 2022.
وحذر باحثون من بينهم بان ليو وتشانغ وايوان من جامعة تسينغهوا في ورقة بحثية نُشرت عام 2024 من أن تجميد أصول موسكو في الخارج «يمثل تذكيراً صارخاً بالهيمنة المالية التي تمارسها الولايات المتحدة عبر النظام الدولي القائم على الدولار»، مؤكدين أن «الدرس واضح بالنسبة للصين».
وفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية، خفضت الصين حيازاتها الرسمية من سندات الخزانة الأمريكية بأكثر من 27% بين يناير 2022 وديسمبر 2024، لتصل إلى 759 مليار دولار، متجاوزة بكثير معدل الانخفاض البالغ 17% بين عامي 2015 و2022.
كانت إحدى استراتيجيات الصين هي زيادة استثماراتها في نوع خاص من السندات يسمى «سندات الوكالات» الصادرة عن كيانات تدعمها الحكومة الأمريكية مثل فاني ماي.
وتتمتع هذه السندات بتصنيفات ائتمانية مماثلة لسندات الخزانة، لكنها توفر عوائد أعلى نسبياً. وبين عامي 2018 ومطلع 2020، ارتفعت حيازات الصين من سندات الوكالات الأمريكية بنسبة 60% لتصل إلى 261 مليار دولار.
كما توسعت إدارة النقد الأجنبي الصينية في سوق الأسهم الخاصة، حيث استكشفت من خلال شركة روزوود للاستثمار - ذراعها الاستثمارية الخاصة غير المعلنة في نيويورك - أصولاً أمريكية ذات عوائد أعلى، تتراوح من الأسهم الخاصة إلى العقارات التجارية والبنية التحتية مثل مراكز البيانات. وفي خطوات أخرى، عمدت إدارة النقد الأجنبي إلى تقصير آجال استحقاق حيازاتها الأمريكية والتحول إلى مديري أصول من خارج الولايات المتحدة.
وتُدار حالياً نسبة أكبر من الاحتياطيات خارج الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. وفي يناير، أعلن بان غونغشينغ، محافظ بنك الشعب الصيني والمشرف على إدارة النقد الأجنبي، أن المؤسسة ستزيد «بشكل كبير» من تخصيص احتياطيات البلاد في هونغ كونغ.
ورغم محدودية التفاصيل المتاحة، يعتقد البعض أن هذه الخطوة قد تتوسع لتشمل أصولاً غير أمريكية في آسيا ، مقومة بالدولار، لكن ربما تصدرها دول أخرى، وتُدار في مناطق أبعد عن نفوذ واشنطن.
