دعوة للاهتمام أكثر بتأثيرات انخفاض معدلات الخصوبة

جون بورن - ميردوخ

علمنا منذ أيام أن معدل المواليد في المملكة المتحدة قد تراجع إلى مستوى قياسي منخفض، لتنضم بذلك البلاد إلى الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وعشرات الدول الأخرى التي تشهد هذه الظاهرة نفسها هذا العام.

لقد أصبح القلق أكبر من انخفاض المواليد، بعدما كان ينظر إليه طويلاً بوصفه «هاجساً غير صحي يقتصر على اليمين المحافظ». وقد برز هذا القلق مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة في العروض التقديمية لمسؤولين كبار في البنوك المركزية، مثل كريستين لاغارد، وأندرو بيلي، وكازو أويدا، خلال مؤتمر جاكسون هول الأخير، نظراً للتداعيات الاقتصادية البالغة لشيخوخة السكان.

في المقابل، لا يزال اليسار يتجنب الخوض في هذه المسألة، فبالنسبة للتقدميين، ينظر إلى القلق بشأن معدلات المواليد على أنه انشغال محافظ بطبيعته. وهذا التصور يبدو وجيهاً من زاوية ما؛ إذ إن تشجيع الناس على إنجاب مزيد من الأطفال قد يفهم باعتباره تقييداً للحريات الفردية وانتكاسة لما تحقق على صعيد حقوق المرأة. كما أن زيادة عدد السكان تعني بالضرورة ارتفاع الانبعاثات الكربونية التي تفاقم أزمة كوكب يعاني بالفعل من الاحترار.

لكن إذا ما أمعنا النظر في الأدلة، لوجدنا أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا المنطق صحيحاً بالمرة. ولنبدأ نقاشنا بالحجة البيئية التي تذهب إلى أن انخفاض معدلات المواليد إيجابي للكوكب. وقد تبدو هذه الحجة صحيحة، غير أن الأمور أقل وضوحاً في الواقع. فإجمالي الانبعاثات ناتج عن أمرين، هما عدد الناس الذين تصدر عنهم الانبعاثات، ومقدار الانبعاثات الصادر عن كل فرد. وقد يكون العامل الأول منطقياً تماماً، لكن تأثير الثاني أكبر بكثير. فقد قلص التقدم التكنولوجي والسياسات الخضراء من البصمة الكربونية للغربي العادي على مدى العقود الأخيرة على نحو جوهري، ما يعني أن بلداناً مثل بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، قد قلصت انبعاثاتها الإجمالية على نحو حاد حتى مع تنامي أعداد السكان. ومع ذلك، فقد ارتفعت الانبعاثات في اليابان نتيجة لانحسار دور الطاقة النووية النظيفة في أعقاب كارثة مفاعل فوكوشيما، على الرغم من استمرار انخفاض معدل المواليد.

والأمر ليس أن الابتكار يلغي العوامل الديموغرافية، بل إن الاثنين مرتبطين ببعضهما بعضاً. وتعد الدول ذات السكان الأكبر سناً أقل ابتكاراً بصفة عامة وأكثر ميلاً للجانب المحافظ، ويمكن لكلا الأمرين أن يبطئ تحول الطاقة والتخضير الأوسع نطاقاً لهذه الاقتصادات والمجتمعات. وتوصلت دراسة أجرتها مجموعة من الباحثين الأمريكيين ونشرت هذا العام، إلى استنتاجات مماثلة. ففي أحسن الأحوال، سيكون لانخفاض معدلات المواليد تأثير هامشي على درجات الحرارة العالمية، كما أنه يأتي في ذيل الأمور المؤثرة على الأهداف المناخية. وفي أسوأ الأحوال، سيتمثل التأثير الصافي في إبطاء التقدم. ويقودنا هذا إلى الأمر الثاني. فقد توصلت دراسات عدة إلى أن غياب اهتمام اليسار بانخفاض معدل المواليد من المرجح أن يدفع المجتمعات باتجاه سلوك منحى أكثر تحفظاً. ومع شيوع الانخفاض بدرجة كبيرة في أوساط اليساريين التقدميين، تميل التوجهات السياسية لكل جيل لاحق نحو اليمين بصورة أكبر مما كان ليكون عليه الوضع لولا ذلك. وربما يعني هذا ازدياد تقييد الحريات الفردية، وليس العكس.

ولا يرث الأطفال التوجهات السياسية لآبائهم بالضرورة، ويميل كل جيل جديد، قياساً بالمعايير التاريخية، إلى أن يكون أكثر تحرراً من الجيل السابق من حيث المفاهيم الاجتماعية. لكن من المؤكد أيضاً أن قيم الآباء تشكل القيم التي يتبناها الأطفال. ومن شأن اتساع الفجوة في معدل المواليد بين اليسار واليمين إبطاء التحررية التي تطرأ على وجهات نظر الأجيال الأصغر سناً، ما قد يسفر عن مجتمعات وساسة أقل ليبرالية واهتماماً بالبيئة.

لذلك، يجب تشجيع الناس جميعاً على إنجاب عدد الأطفال الذي يريدونه، ولتتمتع الرغبة في عدم الإنجاب بالمشروعية ذاتها التي تحظى بها كل الاختيارات. وعلى كل، فهناك الكثير من الطرق للإسهام في المجتمع. لكن إن كان جزء من منطق اللا إنجاب متمثلاً في أنه الخيار الأفضل للكوكب، أو أن الأمر ينطوي على قيم تقدمية، فإن الأدلة التي تثبت صحة هذا التوجه لا تتمتع بالوضوح الكافي.

لقد كانت أكبر خدعة قام بها اليمين هي إقناع اليسار بأن الحديث عن الأسر والأطفال مسألة محافظة. وبدلاً من القلق بشأن زيادة البصمة الكربونية، ربما ينبغي على التقدميين تبني فكرة تربية الأفراد الذين سيبتكرون التقنيات أو سينتخبون الحكومات التي ستتمكن لاحقاً من تحقيق هدف الصافي الصفري.