تصاعد أسعار الكهرباء في أمريكا يهدد تعهدات ترامب

جايمي سميث
أطلق دونالد ترامب، شأنه شأن كثير من الساسة في الحملات الانتخابية، وعوداً كبرى لجذب الناخبين.

غير أن أحد أبرز هذه الوعود وأكثرها صعوبة في التنفيذ كان تعهده المتكرر بخفض أسعار الكهرباء إلى النصف خلال 12 شهراً من توليه منصبه.

ففي كلمة ألقاها أمام نادي ديترويت الاقتصادي في العاشر من أكتوبر من العام الماضي، قال: بعد اثني عشر شهراً من العشرين من يناير، ستكون فواتير الكهرباء الخاصة بكم، بما في ذلك مكيفات الهواء والتدفئة وكل شيء آخر، أقل بنسبة 50%.

سنخفض هذه التكاليف إلى النصف.. لدينا القدرة على فعل ذلك.

وكانت ضغوط تكاليف المعيشة أحد العوامل المحورية التي دفعت بترامب من جديد إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، ومن الممكن أن يلعب هذا العامل دوراً كبيراً في انتخابات التجديد النصفي التي يشهدها الكونغرس في العام المقبل.

وتتزايد أسعار الكهرباء بضعف معدل التضخم، ومن المتوقع أن تواصل ارتفاعها، وذلك قبل ما يزيد قليلاً على أربعة أشهر من نفاد الموعد النهائي الذي حدده الرئيس لخفض قيمة فواتير الطاقة الخاصة بالناخبين، ما يعزى جزئياً إلى سياسات ترامب بشأن الطاقة.

وكشفت دراسة أجرتها «باور لاينز»، وهي جماعة حقوقية معنية بقياس القدرة على تحمل تكاليف الطاقة، عن مطالبة شركات المرافق الأمريكية بزيادات في الأسعار بقيمة قياسية تبلغ 29 مليار دولار خلال النصف الأول 2025، أي بضعف المعدل المسجل في العام الماضي.

وتتسم بعض الأسباب وراء ارتفاع أسعار الكهرباء في الولايات المتحدة بأنها هيكلية.

فقد طورت البلاد الكثير من أعمال البنية التحتية الخاصة بنقل الكهرباء التي تدعم شبكات الكهرباء، كالأعمدة، والأسلاك، والمحولات، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وهي بحاجة للتحديث.

كما أن ما يقرب من 70% من خطوط النقل يزيد عمرها على 25 عاماً، بحسب وزارة الطاقة، علاوة على أن شركات توليد الكهرباء وموزعيها يجب عليهم إما استبدال هذه المعدات أو تحديثها.

وعادة ما تمرر هذه التكاليف إلى الشركات والمستهلكين. من جانبها، أفادت شركات المرافق بأن الأضرار الناجمة عن الظروف الجوية القاسية تسهم بدورها في زيادات الأسعار.

ويشهد الطلب على الكهرباء طفرة بعد أعوام من الركود، ما يعود إلى تشغيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، والمركبات الكهربائية، وكذلك المشروعات الصناعية.

ويجبر هذا الأمر شركات المرافق على الاستثمار في محطات توليد جديدة، ومن المتوقع أن تقفز النفقات الرأسمالية بأكثر من الخمس هذا العام إلى 212.2 مليار دولار وأن تسجل مبلغاً قياسياً قدره 228 مليار دولار في 2027، بحسب تقديرات مصرف «جيفريز» الاستثماري.

أما شركة «آي سي إف» للاستشارات، فتشير تقديراتها إلى أن هذه الاستثمارات الزائدة من شأنها زيادة أسعار الكهرباء المخصصة للمساكن بما يتراوح بين 15% و40% على مدى خمسة أعوام.

وقال روب غرامليش، رئيس «غريد استراتيجيز» للاستشارات: هناك الكثير من الأمور التي يمكن للإدارة فعلها لتجنب هذه الزيادات في الأسعار، لكن المشكلة تكمن في أنها لا تقوم بأي منها.

ومن المؤكد أن سياسات ترامب التجارية وتلك ذات الصلة بالطاقة تفاقم من هذه المشكلة، وفق تحذيرات محللين.

وترفع سياسات ترامب ذات الصلة بالتعريفات الجمركية من أسعار المواد الخام، والمكونات، والمعدات، وهي اللازمة لدعم شبكات الطاقة، لأن البلاد تحصل على الكثير من المعدات من الخارج.

وتستورد البلاد 80% من محولات الطاقة، التي تضمن نقلاً موثوقاً للكهرباء عبر الشبكات، من الخارج.

وأشارت «وود ماكنزي» للاستشارات، إلى أن التعريفات الجمركية تؤدي إلى زيادة الأسعار في وقت تواجه فيه سلاسل التوريد ضغوطاً بالفعل جراء ازدياد الطلب، ولذلك، تزايدت الأسعار بأكثر من الثلثين منذ 2019.

ومن شأن الانتقادات القوية من جانب ترامب للطاقة المتجددة، وهي عادة ما تكون أسرع وأرخص مصادر للطاقة، أن تقيد قدرات التوليد الجديدة.

ويعد قرار الإدارة الأمريكية بإصدار أمر وقف للعمل على مشروع مزرعة الرياح البحرية الذي كاد ينتهي العمل عليه وتبلغ قيمته 2.5 مليار دولار على سواحل رود آيلاند أخيراً، هو الأحدث ضمن مجموعة من القرارات التقييدية المصممة لكبح جماح الصناعة.

وترى الإدارة الأمريكية أن الوقود الأحفوري، والطاقة النووية، والفحم، بإمكانها توفير طاقة مستقرة وموثوقة، وهي المطلوبة لتلبية الطلب المتزايد.

لكن تستغرق محطات الطاقة النووية أعواماً ليكتمل بناؤها، كما عانت العديد من الدول الغربية زيادة في التكاليف مقارنة بالمقرر لها، بينما تتسم مواصلة تشغيل محطات الطاقة العاملة بالفحم بأنها غير ذات جدوى اقتصادية.

وأفاد تقرير صادر عن «غريد استراتيجيز» أن الأوامر الأخيرة الصادرة عن الإدارة الأمريكية وتحظر على شركات المرافق والجهات التنظيمية في الولايات إغلاق محطات الفحم، ستكلف دافعي الضرائب 3 مليارات دولار إضافية سنوياً.

ويمكن للغاز الطبيعي أن يلعب دوراً في تلبية الطلب على الطاقة، لكن لن يتأتى ذلك سريعاً.

ويعود ذلك إلى النقص الذي يعتري التوربينات الكبيرة التي يشغلها الغاز، ما يؤدي إلى أن تمتد أوقات الانتظار للطلبيات الجديدة لما يصل إلى خمسة أعوام أو أكثر.

ولفت جون كيتشم، الرئيس التنفيذي لشركة «نكست إيرا»، وهي واحدة من أبرز شركات الكهرباء العالمية، إلى ارتفاع تكاليف توليد الطاقة عن طريق الغاز وتضاعفها بثلاث مرات منذ 2022.