مؤسسات «وول ستريت» تبحث عن بدائل لمكافآت الأداء الفردي

لا تعتبر كليات إدارة الأعمال انعكاساً للعالم الحقيقي. ولإثبات ذلك، يكفي النظر إلى قضية الأجور في القطاع المالي.

فأساتذة الإدارة يقضون ساعات طويلة في شرح مساوئ التركيز على مكافأة الأداء الفردي، ويضطر طلاب ماجستير إدارة الأعمال موافقتهم بأدب، قبل أن يسارعوا إلى أي مصرف استثماري يعدهم بأعلى مكافأة في نهاية العام.

وقد اتبعت شركة «جيفريز»، آخر مؤسسة سمسرة مستقلة وكبيرة في وول ستريت، هذا النهج التقليدي بوضوح.

ففي عام 2024، أعلنت عن مكافآت نقدية (غير معتمدة على الأسهم)، بلغت قيمتها 385 مليون دولار، وكانت تُمنح عادةً بناءً على عدد الشركات التي يتمكّن المصرفيون الأفراد من استقطابها للتعامل مع المؤسسة.

لكن ريتش هاندلر الرئيس التنفيذي لـ «جيفريز»، بدأ يميل إلى أفكار من نوع آخر، تعتمد على النقاشات الأكاديمية التي سادت حين كان طالباً بجامعة ستانفورد في ثمانينيات القرن الماضي.

إذ يعمل الآن على تغيير نظام المكافآت، بما يشجع على التعاون بين أفراد الفريق، في مسعى لتقديم خدمات أفضل للعملاء من المؤسسات ذات الاحتياجات المعقدة.

غير أن هذا التحول، على الرغم من نواياه الحسنة، يتطلّب أكثر من مجرد تعديل في نظام الأجور، لتحويل قاطني «حوض أسماك القرش» إلى فريق متناغم بحق.

والنظرية الكامنة وراء النهج الجديد الذي يتبعه «جيفريز» واضحة: إذا كان الأداء الفردي هو كل ما يهم تقريباً، فلا مغزى حينها من مشاركة المهارات أو العلاقات مع الزملاء.

لكن تحديد المكافآت على أساس النجاح الجمعي، من شأنه تحفيز الموظفين على فعل الأفضل الذي يصب في صالح الشركة، وفي حالة «جيفريز»، ربما سيساعد هذا الأمر المؤسسة على الوصول إلى عميل ضخم، بإمكانه أن يعود بالفائدة على المصرف بكامله، بدلاً من عدد كبير من العملاء الصغار.

لكن تتمثل الحُجة المضادة لهذا النهج، في أن المكافآت الجمعية تشجع المنتفعين.

وإذا أعاد النظام الجديد للمكافآت توزيعها دون زيادة حجمها الإجمالي، فمن شأن الأعلى إنجازاً، أن يبدؤوا في البحث عن وظائف في أماكن أخرى.

علاوة على ذلك، ما الجدوى من إصلاح نظام غير مختل بالمرة؟ فقد ارتفعت أسهم «جيفريز» بأكثر من 250 % على مدى الأعوام الخمسة الماضية، وفاقت في أدائها كلاً من «مورغان ستانلي» و«جيه بي مورغان»، ويتماشى أداؤها مع أداء «غولدمان ساكس».

وقد توصلت غالبية الدراسات إلى أن الانتفاع ليس مشكلة كبيرة، طالما أن المؤسسة تتمتع بثقافة عمل جيدة، وإذا كان الموظفون يحبون بعضهم بعضاً، ويحبون عملهم، فسيحاولون تفادي أن يخيبوا رجاء زملائهم.

لكن تظهر المشكلة حينما تكون ظروف العمل سيئة إلى الحد الذي يجعل زيادة الأجور هي الطريقة الوحيدة لإقناع الموظفين بمواصلة العمل لدى المؤسسة.

ويُعد «غولدمان ساكس»، وهو المصرف الذي تطمح مؤسسة «جيفريز» إلى محاكاته، مثالاً مفيداً في هذا السياق.

من السهل بمكان، أن تسخر من افتتان ديفيد سولومون بـ «غولدمان ساكس واحد»، وهي مبادرته الرامية إلى تكسير الحواجز داخل المصرف.

لكن لديه وجهة نظر تستحق التأمل، وهي أن تغيير ثقافة العمل، يتطلب أعواماً، ويجب أن يشمل كافة أركان عمليات المؤسسة.

لذا، يمكن القول إن المال ليس كل شيء، حتى بالنسبة لأكبر المتكاسلين وأعتى الفاسدين.