أولاف ستوربيك
تواجه عملية تجديد المقر التاريخي للبنك المركزي الألماني (البوندسبنك) في فرانكفورت، والتي تقدر بنحو 3.3 مليارات يورو، انتقادات حادة من جانب مكتب التدقيق الفيدرالي الألماني، لذلك يبحث البنك حالياً إمكانية التخلي عن مقره الشهير الذي يضم في خزائنه نصف احتياطيات الذهب الألمانية.
وكان ديوان المحاسبة الاتحادي نشر منذ أيام تقريراً شديد اللهجة انتقد خطة ترميم المبنى القديم ومجمعه المحيط، التي تهدف إلى استيعاب نحو 5.400 موظف يعملون في فرانكفورت وتعيد الأزمة إلى الأذهان الجدل الذي أثاره مشروع ترميم مقر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في واشنطن، الذي وصلت تكلفته إلى 2.5 مليار دولار وأثار غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وكان موظفو البنك المركزي الألماني قد أخلوا المقر عام 2021 وانتقلوا إلى برج يعود إلى سبعينيات القرن الماضي وسط فرانكفورت، بعدما تبين أن المبنى الأصلي بحاجة إلى إزالة الأسبستوس ومواد إنشائية أخرى قد تكون ضارة.
وبحسب المخططات، كان من المقرر عودة الموظفين إلى المقر القديم بحلول 2032 غير أن رئيس البنك المركزي، يواخيم ناغل، الذي ورث هذا المشروع لدى توليه المنصب عام 2022، يدرس حالياً إمكانية التخلي عن العودة إلى الموقع الأصلي، وفقاً لمصادر مطلعة وترى هذه المصادر أنه من المرجح أن يكون بيع المقر القديم خياراً أكثر جدوى اقتصادياً، إذ يمكن تحويله إلى مشروع سكني فاخر في مدينة تعاني شحاً في المعروض وفي هذه الحالة، يمكن للبوندسبنك إما استئجار مكاتب حديثة وسط فرانكفورت، أو البحث عن موقع لتشييد مقر جديد.
وقال البنك المركزي في بيان : «نجري حالياً تحليلاً للتكلفة والعائد بناءً على الوضع الحالي للمشروع»، موضحاً أن الدراسة تشمل الجوانب المالية إلى جانب «الاعتبارات الأمنية».
وهناك حالياً نحو 1700 طن من سبائك الذهب، بقيمة سوقية 155 مليار يورو، في خزانة تحت الأرض داخل المقر.
وفي حال التخلي عن العودة إلى المبنى القديم، فسيتعين نقل هذه الكميات إلى مواقع آمنة أخرى، في وقت يواجه فيه البنك المركزي ضغوطاً متزايدة لإعادة احتياطياته من الذهب المخزنة في نيويورك.
وتعود قصة إعادة التطوير إلى عام 2016، عندما قرر البنك المركزي الألماني ترميم مقره الرئيسي بدلاً من هدمه، كما بدأ في التخطيط لإضافة مجمع جديد يضم 4 مبانٍ مكتبية، ومركزاً رياضياً، ومجمع مطاعم، وحضانة أطفال، بتكلفة قدرت آنذاك بـ3.6 مليارات يورو لكن مع تصاعد التضخم ارتفع هذا التقدير إلى نحو 4.6 مليارات يورو.
وبعد الجائحة وانتشار العمل عن بُعد، تبين للبنك أن الخطط أصبحت متقادمة، إذ بنيت على افتراض حضور الموظفين للمكاتب بنسبة تتجاوز 90 %.
ومنذ ذلك الحين، بدأ رئيس البنك، يواخيم ناغل، في تقليص الخطط التي ورثها عن سلفه ينس فايدمان، لكن رغم هذه التعديلات، ما زال المشروع تحت تدقيق صارم.
وتشير آخر التقديرات العلنية الصادرة 2024 إلى أن التكلفة تبلغ 3.3 مليارات يورو رغم أن التوقعات تفيد بانخفاضها أكثر لاحقاً.
وكان ديوان المحاسبة الاتحادي قد نشر مراجعة لاذعة من جزأين تعود إلى أبريل 2024، قال فيها: «من دون مبرر واضح، خطط البنك المركزي الألماني لمساحات مكتبية تزيد بنحو 5400 متر مربع عما تسمح به المعايير الحكومية» مضيفاً: إن هذا القرار رفع التكاليف التشغيلية للمباني طوال عمرها الافتراضي بنحو 1.7 مليار يورو.
وبحسب التقرير، فقد خصص البنك المركزي مساحة مكتبية لكل موظف تزيد بأكثر من 10 % على ما تحدده القواعد الرسمية، مستنداً في ذلك إلى إرشادات عمرها 50 عاماً تعود إلى فترة كان الموظفون يعملون فيها باستخدام الملفات الورقية.
كما أن التكلفة المقررة لكل مقعد في حضانة الأطفال داخل المقر ستبلغ 5 أضعاف المستوى المعتاد.
ورغم أن استقلالية البنك المركزي تعفيه من الالتزام بالمعايير الحكومية، خلص ديوان المحاسبة إلى أن التكاليف الباهظة للغاية لا يمكن تفسيرها فقط لمجرد خصوصية وضع البنك المركزي الألماني ووجه له انتقاداً إضافياً بسبب «بطء وضعف» تبادل المعلومات، وهو ما أعاق بشكل كبير عملية المراجعة.
وشيد المبنى الإداري الرئيسي بين عامي 1967 و1972 بتصميم من المعماري أوتو آبل وكان بيتر كاتشولا شمايل، مدير متحف العمارة الألماني، وصف المبنى 2018 بأنه «رصين وأنيق».
وفي ذروة عصر البنك المركزي الألماني قبل إطلاق اليورو 1999، حين كان المصرفيون المتشددون مثل كارل أوتو بوهل، هيلموت شليسنغر، وهانس تيتماير يهيمنون على السياسة النقدية الأوروبية، أصبح المبنى الرمادي الضخم رمزاً لثقافة الاستقرار المالي الصارمة التي اشتهر بها البنك.
وكان مكتب الرئيس في قلب الطابق 12 يوفر إحدى أفضل الإطلالات على أفق المدينة.
غير أن المبنى لم يحظَ بإجماع من الموظفين، إذ كان يفتقر إلى أنظمة تكييف الهواء في معظم طوابقه باستثناء الطابقين العلويين المخصصين لمجلس الإدارة وفي 2022، أدرج المبنى على قائمة المعالم التاريخية المحمية.