نيكو أصغري
يسرّع مسؤولو الاتحاد الأوروبي خططهم لإطلاق نسخة رقمية من اليورو، بعدما أثار قانون أمريكي جديد لتنظيم العملات المستقرة مخاوف متزايدة بشأن قدرة العملة الرقمية الأوروبية على المنافسة.
وأقرّ الكونغرس الأمريكي، الشهر الماضي، تشريعاً تاريخياً لتنظيم سوق العملات المستقرة، الذي تُقدَّر قيمته بنحو 288 مليار دولار، وتُهيمن عليه العملات المرتبطة بالدولار، وذلك بعد ضغوط مكثفة من قطاع العملات المشفّرة. وتُعرَّف العملات المستقرة بأنها رموز رقمية مربوطة بعملة سيادية، ومدعومة باحتياطيات مثل السندات الحكومية.
وبحسب أحد المشاركين في المناقشات الجارية، فإن تمرير ما يُعرف بـ «قانون جينيوس»، دفع مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى «إعادة التفكير في خطط اليورو الرقمي». وقالت مصادر أخرى: إن المسؤولين يدرسون حالياً إمكانية إطلاق اليورو الرقمي، عبر شبكة بلوك تشين عامة، مثل «إيثريوم» أو «سولانا»، بدلاً من شبكة خاصة، كما كان متوقعاً سابقاً، وذلك استجابة لمخاوف تتعلق بالخصوصية.
وقال أحد المطلعين على الأمر، إن سرعة إقرار القانون الأمريكي «أربكت الكثيرين»، مضيفاً: «الجميع يقول الآن: علينا أن نسرع، علينا أن ندفع بالمشروع قدماً». ويعمل البنك المركزي الأوروبي منذ سنوات على دراسة إطلاق نسخة رقمية من اليورو، لتكون وسيلة دفع مجانية متاحة في جميع أنحاء منطقة اليورو.
ويرى المؤيدون أن العملة الرقمية الأوروبية، ستوفر للناس وسيلة دفع مضمونة من قبل البنك المركزي، في ظل تراجع استخدام النقد، كما ستعزز حضور اليورو على الساحة العالمية، لكن مسؤولي الاتحاد الأوروبي باتوا يخشون أن يؤدي التشريع الأمريكي الجديد إلى تسريع انتشار الرموز الرقمية المقوّمة بالدولار، ويعتقدون أن إطلاق اليورو الرقمي، بات ضرورياً لحماية مكانة العملة الموحدة في القارة. وقال أحد المشاركين في المناقشات: «الأمر بدأ يولّد نقاشات لم تكن مطروحة قبل إقرار قانون جينيوس».
وقال بييرو تشيبولوني عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، إن تشجيع الحكومة الأمريكية على استخدام العملات المستقرة المرتبطة بالدولار «يثير مخاوف بشأن الاستقرار المالي في أوروبا واستقلالها الاستراتيجي». وأضاف أن ذلك قد يؤدي إلى «انتقال الودائع المقومة باليورو إلى الولايات المتحدة، وتعزيز دور الدولار أكثر في المدفوعات عبر الحدود». وتُعد شركتا «سيركل» و«تيثر»، من أبرز الجهات التي تدير عملات مستقرة مرتبطة بالدولار، فيما تدرس بنوك أمريكية كبرى، مثل «سيتي» و«جي بي مورغان تشيس»، إطلاق عملاتها المستقرة الخاصة.
والعملات الرقمية للبنوك المركزية، هي أشكال رقمية من النقود العامة. وتُعتبر الصين الأكثر تقدماً في هذا المجال، من خلال رمزها الرقمي الرسمي، بينما تدرس بريطانيا إمكانية إطلاق «الجنيه الرقمي». وقد طُرحت بالفعل عدة عملات مستقرة مقومة باليورو، أكبرها تُدار من قبل «سيركل»، وتبلغ قيمتها السوقية نحو 225 مليون دولار. غير أن إصدار رمز رقمي مباشر من البنك المركزي الأوروبي نفسه، من شأنه أن يُرسّخ التزام المنطقة بالأصول الرقمية. وقال تشيبولوني: «لا يمكن لأوروبا أن تتحمل الاعتماد المفرط على حلول دفع أجنبية».
وإذا جرى تشغيل اليورو الرقمي عبر شبكة بلوك تشين عامة، فسيكون قابلاً للتداول في أي مكان، الأمر الذي قد يعزز تداوله واستخدامه، لكن المسؤولين متحفظون تجاه هذه الخطوة، إذ إن المعاملات عبر هذه الشبكات تكون عامة، ما يثير مخاوف تتعلق بالخصوصية. وقال أحد المطلعين: إن خيار تشغيل اليورو الرقمي على شبكة بلوك تشين عامة «أصبح يُؤخذ بجدية أكبر الآن»، بينما أشار آخر إلى أن النسخة الخاصة –وهي الأكثر ترجيحاً– ستبدو «أقرب إلى ما يفعله البنك المركزي الصيني، مقارنة بما تقوم به الشركات الأمريكية الخاصة»، في إشارة إلى الرمز الرقمي الذي يديره «بنك الشعب الصيني» بشكل مغلق.
وفي تصريح لـ «فاينانشال تايمز»، قال البنك المركزي الأوروبي، إنه يدرس «مجموعة من التقنيات –المركزية واللامركزية– في تطوير اليورو الرقمي، بما في ذلك تقنيات السجلات الموزعة»، مؤكداً أن القرار النهائي بشأن هذه المسألة لم يُتخذ بعد.
