ضريبة الثروة في النرويج يمكن أن تغير خارطة المال والسياسة

ريتشارد ميلن

قد يبدو من الغريب أن تُحسم نتيجة انتخابات في بلدٍ ما، بناءً على مصير المئات من الأثرياء المقيمين في بلد آخر، غير أنّ الجدل المتصاعد حول ضريبة للثروة، يجعل هذا السيناريو وارداً في النرويج، إحدى أغنى دول أوروبا.

وشهدت السنوات الأخيرة مغادرة مئات من رجال الأعمال ورواد المشاريع البلاد، احتجاجاً على تعديلات أدخلتها الحكومة النرويجية ذات التوجهات الوسطية–اليسارية، على نظام ضريبة الثروة المطبَّق منذ عقود.

وتشير تقديرات بنك «دي إن بي» المحلي، إلى أنّ مئات النرويجيين ممن يملكون ما لا يقل عن مليوني فرنك سويسري (2.5 مليون دولار)، قد انتقلوا للإقامة خارج البلاد، خاصة في سويسرا.

وبات هؤلاء الأثرياء في صلب المعركة السياسية التي يخوضها اليمين لاستعادة السلطة في النرويج. وقالت إرنا سولبرغ رئيسة الوزراء السابقة، وزعيمة حزب المحافظين: «الضرائب تُعد من أبرز القضايا الخلافية بين اليسار واليمين، وعلى رأسها ضريبة الثروة».

من جانبها، قالت سيلفي ليستوغ زعيمة حزب التقدم الشعبوي، والمنافسة الرئيسة على قيادة حكومة يمينية: «إنها من أهم القضايا بالنسبة لمستقبل النرويج. إن النرويج يجب أن تجعل خلق الثروة أمراً جاذباً. علينا أن نصبح بلداً يجذب الناس والموارد والكفاءات. لكن بدلاً من ذلك، نحن تحولنا إلى بلد يطرد مواطنيه الأثرياء».

ويحظى هذا الجدل بمتابعة دقيقة في مختلف أنحاء أوروبا، حيث هناك ميل متزايد لفرض ضرائب على الثروة، لا سيما في بريطانيا، وبالفعل، يطالب بعض أعضاء حزب العمال الحاكم بتطبيقها.

وتُظهر تجربة النرويج أن ضريبة الثروة قابلة للتطبيق فعلاً، لكنها تظل هناك ضغوط سياسية هائلة من مجتمع رجال الأعمال الغاضب.

ويبقى تأثيرها عفي النشاط الاقتصادي محل نقاش، غير أنّ اللافت أنّ النرويج تفتقر إلى شركات ناشئة بارزة، على غرار جارتها السويد، التي ألغت ضريبة الثروة عام 2007.

وهناك قائمة طويلة من الأثرياء الذين فرّوا هرباً من ضرائب ثروة مماثلة، وعلى سبيل المثال، قرر إينغفار كامبراد مؤسس «إيكيا»، الذي أطلق مشروعه في سن المراهقة في ريف السويد، غادر بلاده في سبعينيات القرن الماضي، احتجاجاً على الضرائب المتعددة والمتصاعدة، ليستقر في النهاية بسويسرا. ولم يعد إلى السويد إلا بعد أربعة عقود، قبل وفاته بفترة وجيزة، وتحديداً، بعد أن تم إلغاء ضريبة الثروة.

ويعد جون فريدريكسن، الملياردير النرويجي الأسطوري في قطاع الشحن البحري، مثالاً آخر، يوضح كيف يُضطر رواد الأعمال إلى تكرار الانتقال بحثاً عن أنظمة ضريبية أقل صرامة، إذا التزموا بمنطقهم الاقتصادي. فقد غادر موطنه النرويج عام 1978، ليصبح لاحقاً مواطناً قبرصياً مقيماً في لندن، لكن فريدريكسن غادر بريطانيا مؤخراً، في حالة من السخط الشديد، متجهاً إلى دولة الإمارات. وكان قد صرّح في وقت سابق من هذا العام، قائلاً: «بريطانيا ذهبت إلى الجحيم، تماماً مثل النرويج».

وحتى بالنسبة للنرويجيين الذين استقروا في لوتسرن أو لوغانو في سويسرا، فهم يعيشون لحظات من القلق، إذ من المقرر إجراء استفتاء في نوفمبر حول فرض ضريبة مرتفعة على الميراث، تستهدف الأثرياء في سويسرا.

وتفرض النرويج ضريبة للثروة بنسبة 1 % أو 1.1 % على جميع الثروات التي تتجاوز 1.76 مليون كرونة نرويجية (170 ألف دولار)، مع وجود مجموعة من التخفيضات، خصوصاً على العقارات.

كما يُسمح باحتساب الديون مقابل الأصول. وتؤكد الحكومة العمالية الحالية في أوسلو، أنّه من الضروري أن يسهم الأثرياء في تمويل دولة الرفاهية السخية في البلاد، مشيرةً إلى أنّ إلغاء ضريبة الثروة، قد يؤدي إلى أن البعض ممن هم الأكثر ثراء، لن يدفعوا أي ضرائب إطلاقاً. وضمن قائمة أكبر 10 من دافعي الضرائب في النرويج عام 2023، تبيّن أنّ ثلاثة منهم لم تكن لديهم أي دخول مُعلنة.

وتصدّر غوستاف ماغنار فيتسو قائمة دافعي الضرائب في النرويج، بعدما جعله والده المساهم الرئيس في شركة صيد الأسماك «سالمار»، وهو في الثامنة عشرة من عمره. وقد بلغت ثروته 30 مليار كرونة نرويجية (3 مليارات دولار).

فيما دفع 330 مليون كرونة كضريبة ثروة عام 2023، رغم أنه لا يملك أي دخل مُعلن. وكان فيتسو قد صرّح عام 2021، بأن ضريبة الثروة تجبر رواد الأعمال على دفع أرباح من شركاتهم لتغطية هذه الضريبة.

وتبقى الشركات الناشئة الواعدة في مراحلها الأولى، هي الأكثر تضرراً. ففي عام 2022، كشفت «فاينانشال تايمز»، أنّ فريدريك هاغا مؤسس إحدى الشركات الناشئة النرويجية النادرة، التي تجاوزت قيمتها مليار دولار، قرر الانتقال إلى سويسرا، إذ كان مُلزماً بدفع ضريبة ثروة على التقييم «الورقي» لشركة بيانات العملات المشفّرة الخاصة به، رغم أنها كانت تُسجّل خسائر، ولا توزع أرباحاً. وقد ناقش قادة الأحزاب النرويجية وضعه هذا الشهر.

وأكد هاغا اليوم، أنّ الوضع ازداد سوءاً. وأضاف قائلاً: «آمل أن تكون النرويج عبرة لبقية الدول، بشأن الأضرار الجسيمة التي يمكن أن يتسبب بها فرض ضرائب على الأرباح غير المحققة».

عموماً، تبقى نتائج الانتخابات النرويجية غير محسومة. ويبدو أنّ الثقل السياسي ليانس ستولتنبرغ، الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووزير المالية الحالي، يمنح يسار الوسط أفضلية نسبية. وقد دعا ستولتنبرغ إلى مراجعة شاملة للنظام الضريبي النرويجي، بما في ذلك ضريبة الثروة، بعد انتخابات الثامن من سبتمبر. ومن المؤكد أنّ الأثرياء سيتابعون عن كثب، ما ستؤول إليه الأمور.