سوجيت إنداب
تجد الأسواق صعوبة في تقييم أي شركة تعمل منفردة في فضاء الذكاء الاصطناعي، فما بالك بصفقة اندماج تجمع شركتين في المجال ذاته. لهذا السبب، تترقب صناعة التكنولوجيا عن كثب، الاستحواذ المحتمل لشركة كورويف على كور ساينتفيك، باعتباره اختباراً للقطاع عموماً، لا سيما في ظل تراجع أسهم الشركة صاحبة عرض الاستحواذ.
وتُعد كورويف إحدى كبرى شركات الحوسبة السحابية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتحظى بدعم مستثمرين كبار، مثل بلاك ستون وماغنيتار كابيتال. وتوفر الشركة خدمات القوة الحوسبية لمراكز البيانات.
وقد طرحت أسهمها للاكتتاب العام في مارس الماضي، بسعر 40 دولاراً للسهم. وبحلول يونيو، قفز سعر السهم إلى أكثر من 180 دولاراً، ما رفع تقييمها السوقي إلى ما يزيد على 100 مليار دولار.
غير أن أسهمها تراجعت إلى ما دون 100 دولار، عقب إعلان نتائج مالية مخيبة مؤخراً، لكنها تبقى أعلى من سعر الطرح الأولي. وكانت صحيفة فاينانشال تايمز قد ذكرت أن عدداً من كبار المساهمين باعوا جزءاً من أسهمهم في كورويف، بعد انتهاء فترة حظر البيع.
وفي أوائل يوليو، أبرمت «كورويف» صفقة لشراء شركة «كور ساينتفيك» المطروحة بالفعل في البورصة، وهي مورد كبير لسعة مراكز البيانات والقوة الحوسبية لـ «كورويف».
وأكدت «كورويف» أن عملية الدمج ستوفر أكثر من 10 مليارات دولار من المدفوعات المستقبلية المُتوقعة المُوجهة إلى «كور ساينتفيك»، في مثال على ما أطلق عليه الاستحواذ بالتكامل الرأسي.
وبدلاً من الاستدانة من طرف خارجي لدفع مقابل الصفقة نقداً، أفادت «كورويف» بأنها ستدفع تكاليف الصفقة عن طريق أسهمها الخاصة، وأنها ستتخلى عما يقرب من عُشر أسهم الشركة.
وكانت القيمة السوقية لـ «كور ساينتفيك»، وقت الإعلان عن الصفقة، تبلغ 9 مليارات دولار، ما يعني علاوة قدرها 60 % على السعر الذي تُتداول به قبل ظهور الشائعات عن الصفقة.
وهناك بعض المساهمين في «كور ساينتفيك»، الذين لا يشعرون بالسعادة بالمرة بهذا الأمر. كما يحاول أحد صناديق التحوّط حشد المساهمين للتصويت ضد هذه الصفقة، ويرى أن انخفاض أسعار أسهم «كورويف» يقلل بالضرورة من مكاسبهم، وذلك بغض الطرف عن أن شروط الصفقة تقلل من قيمة الآفاق طويلة المدى لـ «كور ساينتفيك» بصفة عامة.
من المُتوقع أن يزداد تعقيد الأمور على مدى الأيام المقبلة، مع نشر ملفات الأوراق المالية التي تُفصّل المفاوضات التي جرت بين الشركتين، لتحديد شروط عملية الدمج.
كما ستحتوي الملفات على التحليل المالي الذي استخدمه المصرفيون الاستثماريون الذين شاركوا في الصفقة، لتبرير السعر المعروض لـ «كور ساينتفيك».
ويُعد التقييم اليومي للقيمة العادلة، الذي يحدث مع إدراج شركة ما في البورصة، أكثر صعوبة بالنسبة للشركات الناشئة، مثل «كورويف» و«كور ساينتفيك».
وتوجد لدى هذه الشركات إيرادات وأرباح هامشية في الوقت الراهن، مقارنة بتقييماتها، لكن يُفترض بها أن تتزايد بسرعة. ولذلك، لن يكون من المفاجئ أن تكون هناك معارضة جادة لصفقة تتطلب من مجموعتين من المساهمين التوصل إلى اتفاق.
كانت «كور ساينتفيك» في الأصل شركة لتعدين عملة «بيتكوين»، ثم انهارت بسبب إفلاسها في خضم «شتاء الأصول المُشفرة»، الذي حل عام 2022. ومع ذلك، فإن البنية التحتية للطاقة لدى الشركة، تُعد ذات قيمة عالية في الوقت الراهن، نظراً للمتطلبات الهائلة التي تحتاجها أعمال الذكاء الاصطناعي.
ويحشد صندوق «تو سيز»، الذي استحوذ على نسبة 6 % من الشركة، مساهمين آخرين لانتظار عرض أفضل من جانب «كورويف»، ويقول إن «كور ساينتفيك» بإمكانها أن تزدهر كشركة منفردة، إذا لزم الأمر.
من جانبها، تقول «كورويف» إن مساهمي «كور ساينتفيك» يجب أن يشعروا بالسعادة، لأن شركتهم ستكون عضوة في مجموعة أكبر، وأن عوامل التآزر التي ستنشأ عن عملية الدمج، ستتراكم في صالح المساهمين بمرور الوقت.
وقبل جيل من اليوم، وإبان طفرة «دوت كوم»، كانت الشركات ذات التقييمات الضخمة تندمج مع بعضها بعضاً، بهدف تحقيق مكاسب تحويلية من تقنيات الإنترنت المبتكرة. وكان اندماج «إيه أو إل» و«تايم وارنر»، في صفقة بلغت قيمتها 165 مليار دولار، مثالاً بارزاً على ذلك.
لأنه كان من المُفترض به إحداث ثورة في صناعة الإعلام. لكن فشلت هذه الرؤية في التحقق في غالب الأمر، غير أن كلا الشركتين تمكنت من المضي قدماً، لأن اتفاق مبادلة الأسهم لم يسفر عن ديون بالغة.
ولا شك أن التقلبات التي أصابت أسعار أسهم «كورويف»، جذبت انتباه الشركات الناشئة الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد جمعت مُختبرات الذكاء الاصطناعي التي طوّرت نماذج لغوية، مثل «أوبن إيه آي»، و«إكس إيه آي»، و«أنثروبيك»، عشرات المليارات من الدولارات على الأقل، وتواصل تقييماتها تحقيق القفزات، حتى وإن لم تكن تدر الكثير من الأرباح أو الإيرادات الكبيرة بعد.
ولعل متابعة هذه الأحداث المثيرة بين «كورويف» و«كور ساينتفيك»، لا تسهم في زيادة حماس الشركات العاملة بالمجال، في مواجهة مشاكل الأسواق العامة، لكن هذه الأسواق قوة لا يُستهان بها في إرساء الانضباط.
إذ تدفع الشركات باستمرار إلى إثبات جدوى نماذج أعمالها لمجتمع الاستثمار الأوسع. وينتهي الحال بالكثير من الشركات إلى أن تُباع، لأن المستثمرين يركنون إلى العزوف عن المخاطرة عند وجود عرض للاستحواذ.
وإذا قرر المساهمون في «كور ساينتفيك» الانتظار إلى حين مجيء عرض أفضل، أو دعموا آفاق الشركة كمؤسسة مستقلة، فسيكون ذلك مؤشراً على أن ثقة المستثمرين في الأسواق العامة في ثورة الذكاء الاصطناعي، ما زالت قوية.
وإذا ما قرر المساهمون المضي قدماً في تنفيذ الصفقة الحالية، فربما يكون ذلك مؤشراً على أن ثقة المستثمرين في المجال تُعد أكثر هشاشة.