التبديل أم الشحن الفائق.. أيهما أسرع طريقاً لمستقبل المركبات الكهربائية؟

على ضفاف نهر هوانغبو في شنغهاي بالصين، تقدم محطة استبدال البطاريات التابعة لشركة «نيو» لسائقي السيارات الكهربائية تجربة مستقبلية لافتة؛ إذ يكفي إصدار أمر صوتي بسيط لبدء عملية مؤتمتة تزود السيارة بطاقة كاملة في غضون ثلاث دقائق فقط.

تتحرك السيارة ذاتياً لتتوقف في الموضع المحدد فوق منصة معدنية متحركة، لتباشر الأذرع الروبوتية عملها بدقة عالية: تفكك الهيكل السفلي، تسحب البطارية الفارغة، وتضع مكانها أخرى مشحونة بالكامل.

وما إن تنتهي الفحوصات الروتينية للأجهزة والبرمجيات، حتى تصبح السيارة جاهزة للانطلاق من جديد، مفسحة المجال للمركبة التالية في الطابور.

وتدير «نيو»، الشركة الصينية الناشئة والمدرجة في البورصة الأمريكية، أكثر من ثلاثة آلاف محطة لاستبدال البطاريات في مختلف أنحاء الصين، متبعة مساراً مغايراً لمعظم منافسيها الذين يركزون على التقنيات التقليدية للشحن التقليدي.

ومع دخول عملاق صناعة البطاريات العالمي «كاتل» على خط الاستثمار في هذه التقنية، بات من المتوقع حدوث تحول استراتيجي واسع النطاق في أكبر سوق للسيارات الكهربائية بالعالم، إذ تعتزم الشركة إقامة 1000 محطة تبديل لبطاريات سيارات الركاب خلال العام الجاري، قبل أن تتوسع إلى نحو 10 آلاف محطة بحلول 2028 لتلبية احتياجات مليون سيارة يومياً، فضلاً عن استثمارات للشركة في أنظمة تبديل بطاريات الشاحنات الثقيلة.

ويصف «دوو فو»، المحلل المتخصص في قطاع السيارات الكهربائية بشركة «ريستاد إنرجي» للاستشارات في شنغهاي، القدرات التقنية لشركة «كاتل» بأنها «ظاهرة استثنائية»، مؤكداً أن نفوذها الهائل في سوق السيارات الكهربائية سيجعل مسار تقنية التبديل «أكثر يسراً بدرجة كبيرة».

وبحسب فو، فإن محطات التبديل تتمتع بميزة الاستفادة من تقلبات أسعار الكهرباء، بينما تواجه تقنية الشحن الفائق - التي تعد بشحن السيارة خلال دقائق فقط - تحديات كبيرة تتمثل في ضرورة ترقية شبكات نقل الكهرباء بتكلفة باهظة قبل انتشارها على نطاق واسع، مضيفاً: «استنتاجنا النهائي أن التقنيتين... ستتعايشان دون أن تقضي إحداهما على الأخرى».

وفي ظل التوقعات بتجاوز مبيعات السيارات الكهربائية لنظيرتها العاملة بالبنزين في الصين للمرة الأولى هذا العام، تسارع بكين خطاها لدعم هذا التحول التاريخي، إذ تعمل الحكومة المركزية على توسيع وتحديث كل من البنية التحتية الخاصة بمحطات التبديل ومحطات الشحن السريع.

وفي يوليو الماضي، أعلنت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح عن خطة طموحة لبناء 100 ألف محطة شحن سريع بحلول 2027، بينما تقدم حكومة شنغهاي منذ مارس إعانات سخية للشركات تغطي حتى 40% من استثماراتها في محطات التبديل.

ويرى المدافعون عن تقنية استبدال البطاريات أنها أسرع من الشحن، وتلائم بشكل أفضل طبيعة المدن الصينية مكتظة السكان، حيث يقطن غالبية المواطنين في مجمعات سكنية تفتقر لنقاط شحن خاصة، علاوة على قدرتها على خفض تكلفة السيارات الكهربائية بآلاف الدولارات، نظراً لأن السائقين لا يملكون البطاريات.

وإلى جانب شركة «بي واي دي» الرائدة في قطاع المركبات الكهربائية، تعد «كاتل» من الشركات السباقة في تقنيات الشحن فائق السرعة، ضمن إطار سباق يهدف إلى تبديد مخاوف السائقين من طول فترات الشحن ومحدودية مدى المركبات الكهربائية، غير أن استثمارات الشركة في البنية التحتية للتبديل تعكس أيضاً قناعتها بأن كلا التقنيتين يمكن أن تتكاملا كجزء من التحول السريع للصين نحو المركبات الكهربائية.

ويؤكد يانغ جون، الذي يرأس قطاع تبديل البطاريات في «كاتل»، أن صناعة السيارات الكهربائية تتجه نحو «مسارات تكنولوجية مستحدثة»، وأن توحيد معايير الاستبدال سيعود بمنافع جمة على مصنعي السيارات الكهربائية.

وتشير تقديرات الشركة إلى حاجة السوق الصينية لنحو 30 ألف محطة استبدال للبطاريات على المستوى الوطني، مقارنة بمحطات البنزين البالغ عددها 100 ألف محطة.

وأعلنت «كاتل» هذا الشهر عن تعاونها مع شركة تأجير السيارات «كار» وشركة التأجير التمويلي «سي إم بي فاينانشال ليسنغ» لبناء أسطول ضخم يضم 100 ألف سيارة إيجار مزودة ببطاريات قابلة للاستبدال.

ولا ينفي ذلك وجود بعض التحديات حيث يشكك المنتقدون في إمكانية التوافق التشغيلي بين مختلف طرازات السيارات وأنواع البطاريات، فضلاً عن الاستثمارات الضخمة المطلوبة لإنشاء بنية تحتية متكاملة للاستبدال.

وفي هذا السياق، قال هي شياوبنغ، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة «إكسبنغ» لصحيفة «فاينانشيال تايمز»: إن شركته ظلت تدرس هذه التقنية «لمدة خمس أو ست سنوات» قبل أن تتخذ قرارها «النهائي» بعدم تبنيها في حوالي عام 2023، قائلاً: «تطوير تكنولوجيا البطاريات ذاتها يفوق أهمية تطوير قدرات استبدالها، وهذا هو المسار الذي اخترناه».

وعلى صعيد النقل الثقيل، تعمل «كاتل» على بناء 300 محطة استبدال مخصصة للشاحنات الثقيلة خلال العام الجاري، كمرحلة أولى من شبكة طموحة تخطط لإنشائها بالتعاون مع عملاق النفط الحكومي «سينوبيك» لتغطي في نهاية المطاف 150 ألف كيلومتر من طرق الشحن الاستراتيجية.

وكشف روبن زينغ، مؤسس ورئيس «كاتل»، في تصريحات سابقة لـ «فاينانشيال تايمز» عن توقعاته بأن تشكل الشاحنات الكهربائية نصف إجمالي مبيعات الشاحنات الجديدة في الصين بحلول 2028، مؤكداً أن الشركة تعتزم توسيع شبكات استبدال البطاريات لتشمل أوروبا ومناطق أخرى خارج الصين.

من جانبه، قال كريستوفر دولمان، المحلل في «معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي»، وهو مركز أبحاث أمريكي، إن تقنية التبديل باتت اليوم جزءاً من التحول السريع نحو الشاحنات الكهربائية، ما يؤدي إلى إزاحة الشاحنات العاملة بالديزل وتلك التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال في الصين.

ولفت إلى أن الشاحنات الكهربائية الثقيلة قد تكون أعلى تكلفة عند الشراء مقارنة بمثيلاتها العاملة بالديزل، لكنها تصبح أقل كلفة على مدى دورة حياتها بفضل انخفاض تكاليف الوقود.