كيف يمكن للمستثمرين تلمّس طريقهم بعد عاصفة الرسوم الجمركية؟

آلان ليفسي

أغرق هجوم الرئيس دونالد ترامب على الشركاء التجاريين في الثاني من أبريل أسواق الأسهم العالمية في حالة من الاضطراب، ما أجبر المستثمرين على الاندفاع بقوة نحو الملاذات الآمنة، كالسندات الحكومية والذهب، في محاولة للنجاة من تداعيات الموقف.

وكانت الحصيلة النهائية صادمة، إذ تسببت إعلانات الرسوم الجمركية التي أطلقها البيت الأبيض في تبخر ما يقارب 4.9 تريليونات دولار من القيمة السوقية للبورصات العالمية، وذلك بحلول منتصف نهار الجمعة، وفق تقديرات دان كوتسوورث، محلل الاستثمار بمؤسسة «إيه جيه بيل».

وتعصف موجة التقلبات الحادة في الأسواق المالية بالمحافظ الشخصية للمستثمرين وصناديق معاشاتهم التقاعدية، وقد تفاقم الوضع بعد الهبوط الحاد للدولار عقب إعلان الرسوم الجمركية، ما ألحق خسائر إضافية بالمستثمرين الذين يتعاملون بالجنيه الإسترليني أو اليورو.

وعلى منصة «إنتراكتيف إنفستور»، اتجه العديد من المتداولين البريطانيين إلى اغتنام فرصة انخفاض الأسعار، حيث تصدرت شركة إنفيديا قائمة الاستثمارات الأكثر تداولاً خلال الأسبوع، إذ اختار 74% من المتداولين شراء أسهمها، مقابل 26% فضلوا بيعها. وجاءت شركة رولز-رويس البريطانية لصناعة المحركات في المرتبة الثانية (بنسبة شراء 57%)، تلتها باركليز في المركز الثالث (بنسبة شراء 73%).

وقد يتساءل البعض عما إذا كان الوقت مناسباً لتعزيز محافظهم الاستثمارية بالمزيد من الأسهم، غير أن المنطق السليم يقتضي طرح السؤال الصحيح قبل البحث عن الإجابة، فالتقاط لحظة نهاية انهيار أسعار الأسهم يتطلب بصيرة حادة وسرعة تضاهي صقراً جائعاً. والأجدر التساؤل عما إذا كان الوقت الحالي مناسباً للبدء في شراء الأسهم تدريجياً، مع توزيع عمليات الشراء على فترة زمنية ممتدة لتقليل مخاطر المزيد من الخسائر في حالة استمرار الانخفاض. والسؤال الأهم: ما المؤشرات التي يمكن أن تدل على تغير اتجاه السوق نحو الصعود؟

ونظراً للارتباط الوثيق بين أسواق الأسهم العالمية والسوق الأمريكي، وحيث إن غالبية المحفزات تأتي من الولايات المتحدة، فإن التركيز على الأسواق الأمريكية يبدو نهجاً منطقياً. وتتبع الأسواق المالية غالباً روايات ومسارات محددة، سلبية كانت أم إيجابية، ما يجعل مراقبة ردود فعلها غير المتوقعة تجاه إعلانات الأرباح القوية، أو بيانات التضخم الأسوأ من التوقعات، مؤشراً حيوياً على المزاج السائد في السوق.

ويبدو المزاج الحالي قاتماً بشكل واضح، حيث يفتقر الجميع إلى رؤية محددة حول كيفية انتقال تأثير ارتفاع أسعار الواردات جراء الحرب التجارية إلى المستهلكين، غير أن بعض الاقتصاديين قدموا أرقاماً مقلقة تكشف حجم هذه التأثيرات.

ووفقاً لتقديرات خبراء الاقتصاد في جامعة أستون البريطانية، التي أُعدت قبل إعلان الرسوم الجمركية، فإن نشوب حرب تجارية شاملة تنتهي بفرض حواجز استيرادية بنسبة 25% على جميع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة سيكبد الاقتصاد العالمي خسائر بقيمة 1.4 تريليون دولار، مع انخفاض بنسبة 2.5% في متوسط الدخل الحقيقي للفرد الأمريكي، إلا أن الاستثمار يرتبط بالعوامل النفسية بقدر ارتباطه بالأساسيات الاقتصادية، فاستيعاب العناصر المحورية مثل نمو أرباح الشركات ومعدلات التضخم وسلوكيات الإنفاق الاستهلاكي، يعد أمراً حاسماً للتنبؤ باتجاهات أسواق الأسهم مستقبلاً.

ولا أحد يزعم أن المخاطرة العشوائية تقدم استراتيجية استثمارية أفضل، لكن فهم كيفية تموضع غالبية المستثمرين وما يملكونه مقابل ما يفتقدونه، يمثل معلومة قيمة قد تدفعك للتحرك في الاتجاه المعاكس. ورغم ادعاء العديد من المستثمرين المحترفين تبنيهم هذا النهج المعاكس، إلا أن القلة فقط تمارسه فعلياً، والسبب واضح، فهو محفوف بالمخاطر ويصعب الدفاع عن وجهة نظر مخالفة أمام المديرين أو العملاء، خاصة إذا تكبدت الاستراتيجية خسائر في وقت لاحق.

ويجب ألا نخطئ في فهم الأمر، فقد اتخذت نبرة كبار موزعي الأصول في المؤسسات الاستثمارية العملاقة منحى تشاؤمياً واضحاً، الأمر الذي يمثل تحولاً استراتيجياً في مسار الأسواق. ورغم حداثة هذا التغيير لدى البعض، يبرز تساؤل محوري: ما الذي أطلق شرارة هذا التحول العميق في الرؤية؟ فبينما قللت الأسواق من شأن عزم ترامب على تشديد القبضة التجارية الأمريكية، كانت صفارات الإنذار تدوي بقوة متصاعدة لسنوات قبل ولاية ترامب الثانية.

وانصبت المخاوف بشكل رئيسي على الاقتصاد الأمريكي لضخامة حجمه عالمياً، إذ شكلت التقييمات المبالغ فيها تاريخياً للأسهم الأمريكية مقارنة بأرباحها، التي تجاوزت نظيراتها العالمية بمراحل، محور النقاشات الاقتصادية طويلاً. ومن بين المؤشرات الخطيرة الأخرى تبرز نسبة الأسهم ضمن الأصول المالية للعائلات الأمريكية. هذه النسبة، التي رصدتها بيانات بنك أوف أمريكا والاحتياطي الفيدرالي، تأرجحت بين 10% و30% منذ الحرب العالمية الثانية، لتقفز بنهاية العام المنصرم إلى حافة الخطر عند 29%. وهذا الرقم يستدعي دق ناقوس الخطر، إذ لم يتجاوز ذروة فقاعة التكنولوجيا التي تحطمت عام 2000 فحسب، بل تخطى أيضاً السقف التاريخي المسجل عند 28% في عام 1968.

وللعودة إلى الحدود الدنيا للنطاق التاريخي - دون بلوغ قاعه - سيكون من الضروري هبوط قيمة الأسهم إلى النصف. والمؤشرات التاريخية ليست مطمئنة، فقد شهدت الأسهم انهيارات مروعة في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك خلال العقد الماضي عقب بلوغها مستويات قياسية مشابهة.

ورغم أن وضوح الرؤية يأتي غالباً بعد فوات الأوان، إلا أن الحقيقة لا يمكن إنكارها، فبعد ثلاثة أشهر عصيبة للأسهم الأمريكية، ومع تصاعد حدة التشاؤم، يتساءل المراقبون بحق عما إذا كان ثمة انعكاس قريب في المسار - ولو مؤقتاً - خلال الربع المقبل.

ولرصد مؤشرات هذا التحول المحتمل، ينبغي التمعن في سوق الخيارات، تلك المشتقات المالية القابلة للتحويل إلى أوراقها المالية الأساسية، كالأسهم، بسعر تنفيذ محدد عند تاريخ استحقاق معين. وتتيح هذه الأدوات جني الأرباح من تقلبات أسعار الأسهم، صعوداً أو هبوطاً، مع استثمار رأسمالي محدود نسبياً.

وإذا كان هناك مؤشر واحد تجدر مراقبته بقية العام، فهو توقعات التضخم، إذ قفزت نتائج الاستطلاعات المتابعة على نطاق واسع في الولايات المتحدة، مثل استطلاع الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لتوقعات المستهلكين للتضخم للعام المقبل، من أقل من 3% إلى أكثر من 4% منذ أواخر العام الماضي.

والأهم من ذلك، ارتفع معدل التضخم الضمني المستخلص من سندات الحماية من التضخم الأمريكية لأجل عامين بوتيرة متصاعدة منذ سبتمبر. وما لم ينعكس اتجاه هذا المؤشر، أو يستقر على الأقل، ستظل الأسواق تعاني من القلق.

وتشكل هذه التطورات أنباء سلبية لأسعار الأسهم، فالتضخم لا يخلق مشكلة سياسية لأي حكومة فحسب، بل يضع الرئيس ترامب، الذي وعد بالسيطرة عليه، في موقف صعب، كما يقوّض التضخم المستمر الآمال بخفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في المستقبل القريب.