جوناثان كانتر
حين أعلنت «غوغل» الشهر الماضي عن صفقة بقيمة 2.4 مليار دولار لشراء شركة «ويندسيرف» الناشئة المتخصصة في أدوات برمجة الذكاء الاصطناعي، لم ينتبه كثيرون إلى التفاصيل الدقيقة، فغوغل لم تكن تدفع ثمن الشركة، بل ثمن قادتها.
وهو يختلف عن الاستحواذ التقليدي، إذ تقوم الشركات الكبرى في هذه الحالة بدفع الأموال مقابل استقطاب مواهب الشركة الصغيرة، وقد لا تكترث بالمرة بمنتجها وزبائنها وكيانها القانوني.
ومن اللافت أن هذا النشاط ترافق مع تشديد سلطات مكافحة الاحتكار لرقابتها على صفقات الاندماج في قطاع التكنولوجيا، لكن يبدو أن هذه العمليات تتيح للشركات الكبرى منفذاً مغرياً لتجاوز القيود.
كذلك، دفعت «غوغل» مبالغ طائلة لاستقطاب مؤسسين من دون التقدم بعرض لشراء شركاتهم.
ففي العام الماضي، استقطبت مؤسسي شركة «كاراكتر.إيه آي» المتخصصة في تطوير روبوتات المحادثة، وأبرمت اتفاقاً للحصول على ترخيص نماذجها، تاركة الشركة خلفها.
فقد استقطبت مايكروسوفت عدداً من موظفي شركة «إنفليكشن إيه آي»، بينهم الرئيس التنفيذي مصطفى سليمان، دون الاستحواذ على الشركة.
وفي العام الجاري، أنفقت «ميتا» مليارات الدولارات لتوظيف ألكسندر وانغ، الشريك المؤسس لشركة «سكيل إيه آي» المتخصصة في وضع العلامات على البيانات، إلى جانب الاستثمار في شركته.
وكان المبدأ الرئيسي واضحاً: المضمون لا الشكل هو ما يحدد مدى الحاجة إلى التدقيق.
فإذا كانت الصفقة ترسخ هيمنة شركة كبيرة عبر إزاحة تهديد تنافسي ناشئ، وجب إخضاعها لمراجعة صارمة، سواء أكان المقابل المدفوع أسهماً أم عقود عمل.
وعادة ما يستند المدافعون عن «الاستحواذات التوظيفية» في قطاع التكنولوجيا إلى حجتين أساسيتين.
الأولى أن أي قيود يفرضها المنظمون ستعطل الشركات الغربية مقابل تسارع التقدم الصيني. والثانية أن تقييد أنشطة الاندماج والاستحواذ يضعف الابتكار من خلال حرمان رواد الأعمال من حافز الخروج المربح. وكلا الطرحين يستحق التدقيق.
نعم، بكين تدعم أبطالها الوطنيين في مجال التكنولوجيا بشكل مكثف، لكن المجتمعات الحرة لا تنتصر إلا عبر تنمية أسواق ديناميكية وتشجيع المنافسة الحيوية. والريادة التكنولوجية لأمريكا لم تنشأ من حماية الكيانات الراسخة، بل عبر رعاية المنافسين الطامحين.
ثم إن استراتيجيات الخروج لا تقتصر على الاستحواذات. يكفي النظر إلى النجاح الكبير الذي حققته شركة «فيغما» في إدراجها العام الأخير.
ولم يكن هذا ممكناً لولا تخلي «أدوبي» عن خططها لشراء الشركة الناشئة المتخصصة في التصميم، بعد معارضة قوية من المفوضية الأوروبية، وهيئة المنافسة والأسواق البريطانية، وفريق إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار في وزارة العدل الأمريكية.
لكن في عصر تهيمن فيه قلة من شركات التكنولوجيا العملاقة، يصبح من الضروري التمييز بين توظيف المواهب وبين إعادة رسم خريطة السوق بشكل استراتيجي.
لذلك، يتعين على سلطات مكافحة الاحتكار أن تركز على الأثر التنافسي لأي صفقة، بصرف النظر عن شكلها القانوني أو المالي.
والتنفيذ الرشيد يمثل حجر الأساس لسياسة اقتصادية تعزز النمو وتدعم الابتكار. وعلى المدى الطويل، فإن الرهان على المنافسة، لا على التركيز والاحتكار، هو السبيل للنجاح.
