استحواذات مليارية تستهدف اقتناص المواهب التكنولوجية

جوناثان كانتر
حين أعلنت «غوغل» الشهر الماضي عن صفقة بقيمة 2.4 مليار دولار لشراء شركة «ويندسيرف» الناشئة المتخصصة في أدوات برمجة الذكاء الاصطناعي، لم ينتبه كثيرون إلى التفاصيل الدقيقة، فغوغل لم تكن تدفع ثمن الشركة، بل ثمن قادتها.

هذا النوع من الصفقات يعرف بـ «الاستحواذ التوظيفي العكسي» وغالباً ما يختصر إلى «الاستحواذ التوظيفي».

وهو يختلف عن الاستحواذ التقليدي، إذ تقوم الشركات الكبرى في هذه الحالة بدفع الأموال مقابل استقطاب مواهب الشركة الصغيرة، وقد لا تكترث بالمرة بمنتجها وزبائنها وكيانها القانوني.

وفي استحواذ «غوغل» الأخير، انتقل الرئيس التنفيذي لـ «ويندسيرف» فارون موهان، إلى جانب الشريك المؤسس دوغلاس تشين وعدد من موظفي البحث والتطوير، للعمل ضمن قسم الذكاء الاصطناعي في «غوغل». كما دفعت «غوغل» رسوماً للحصول على ترخيص لاستخدام تقنيات «ويندسيرف».

وفي الفترة الأخيرة، باتت الاستحواذات التوظيفية شائعة على نحو متزايد في قطاع التكنولوجيا، ولا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، حيث يمثل الموظفون ذوي المهارات العالية ميزة تنافسية حاسمة.

ومن اللافت أن هذا النشاط ترافق مع تشديد سلطات مكافحة الاحتكار لرقابتها على صفقات الاندماج في قطاع التكنولوجيا، لكن يبدو أن هذه العمليات تتيح للشركات الكبرى منفذاً مغرياً لتجاوز القيود.

وعادة ما ترتبط صفقات الاستحواذ الكبرى بالتزامات قانونية تلزم الشركات بإخطار سلطات مكافحة الاحتكار، غير أن «الاستحواذات التوظيفية» غالباً ما تتجاوز هذا الإطار، فشركات التكنولوجيا العملاقة تستطيع استيعاب فرق ناشئة مبتكرة بهدوء، ما يعني عملياً تحييد منافسين محتملين، من دون أن تواجه أي تدقيق من الجهات الرقابية.

كذلك، دفعت «غوغل» مبالغ طائلة لاستقطاب مؤسسين من دون التقدم بعرض لشراء شركاتهم.

ففي العام الماضي، استقطبت مؤسسي شركة «كاراكتر.إيه آي» المتخصصة في تطوير روبوتات المحادثة، وأبرمت اتفاقاً للحصول على ترخيص نماذجها، تاركة الشركة خلفها.

وفي الواقع، فإن بعضاً من أهم صفقات التكنولوجيا في السنوات الأخيرة جاءت على شكل توظيف قيادات وفرق، لا شراء شركات.

فقد استقطبت مايكروسوفت عدداً من موظفي شركة «إنفليكشن إيه آي»، بينهم الرئيس التنفيذي مصطفى سليمان، دون الاستحواذ على الشركة.

وفي العام الجاري، أنفقت «ميتا» مليارات الدولارات لتوظيف ألكسندر وانغ، الشريك المؤسس لشركة «سكيل إيه آي» المتخصصة في وضع العلامات على البيانات، إلى جانب الاستثمار في شركته.

وخلال فترة عملي على رأس قسم إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار في وزارة العدل الأمريكية، راجعنا آلاف الصفقات، بما فيها الاستحواذات التوظيفية.

وكان المبدأ الرئيسي واضحاً: المضمون لا الشكل هو ما يحدد مدى الحاجة إلى التدقيق.

فإذا كانت الصفقة ترسخ هيمنة شركة كبيرة عبر إزاحة تهديد تنافسي ناشئ، وجب إخضاعها لمراجعة صارمة، سواء أكان المقابل المدفوع أسهماً أم عقود عمل.

وعادة ما يستند المدافعون عن «الاستحواذات التوظيفية» في قطاع التكنولوجيا إلى حجتين أساسيتين.

الأولى أن أي قيود يفرضها المنظمون ستعطل الشركات الغربية مقابل تسارع التقدم الصيني. والثانية أن تقييد أنشطة الاندماج والاستحواذ يضعف الابتكار من خلال حرمان رواد الأعمال من حافز الخروج المربح. وكلا الطرحين يستحق التدقيق.

نعم، بكين تدعم أبطالها الوطنيين في مجال التكنولوجيا بشكل مكثف، لكن المجتمعات الحرة لا تنتصر إلا عبر تنمية أسواق ديناميكية وتشجيع المنافسة الحيوية. والريادة التكنولوجية لأمريكا لم تنشأ من حماية الكيانات الراسخة، بل عبر رعاية المنافسين الطامحين.

ثم إن استراتيجيات الخروج لا تقتصر على الاستحواذات. يكفي النظر إلى النجاح الكبير الذي حققته شركة «فيغما» في إدراجها العام الأخير.

ولم يكن هذا ممكناً لولا تخلي «أدوبي» عن خططها لشراء الشركة الناشئة المتخصصة في التصميم، بعد معارضة قوية من المفوضية الأوروبية، وهيئة المنافسة والأسواق البريطانية، وفريق إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار في وزارة العدل الأمريكية.

وبطبيعة الحال، ليست كل صفقة، سواء أكانت «استحواذاً توظيفياً» أم غيره، معادية للمنافسة.

لكن في عصر تهيمن فيه قلة من شركات التكنولوجيا العملاقة، يصبح من الضروري التمييز بين توظيف المواهب وبين إعادة رسم خريطة السوق بشكل استراتيجي.

لذلك، يتعين على سلطات مكافحة الاحتكار أن تركز على الأثر التنافسي لأي صفقة، بصرف النظر عن شكلها القانوني أو المالي.

إن تطبيقاً ذكياً لقوانين مكافحة الاحتكار يمكن أن يضمن بقاء الفرص مفتوحة أمام الداخلين الجدد لينضجوا ويصبحوا شركات رائدة في المستقبل.

والتنفيذ الرشيد يمثل حجر الأساس لسياسة اقتصادية تعزز النمو وتدعم الابتكار. وعلى المدى الطويل، فإن الرهان على المنافسة، لا على التركيز والاحتكار، هو السبيل للنجاح.