إصدارات السندات الدولية لشركات الأسواق الناشئة تقارب ذروة 2021

جوزيف كوتريل
تشهد الأسواق المالية العالمية موجة إقبال غير مسبوقة من البنوك والشركات في الأسواق الناشئة خارج الصين على إصدار وبيع السندات الدولية خلال العام الجاري، لتسجل أعلى مستوياتها منذ عام 2021. 

ويعود ذلك إلى تراجع علاوة المخاطر التي يطلبها المستثمرون على هذه السندات مقارنة بنظيراتها الأمريكية إلى أدنى مستوى لها منذ 15 عاماً.

وتجاوزت إصدارات السندات 250 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى يوليو الماضي، وهي وتيرة تضع هذه الأسواق على مسار مقارب لحجم الإصدارات المسجل في عام 2021 بالكامل، وهو العام الذي شهد طفرة قياسية في الاقتراض خلال جائحة كورونا، وذلك وفقاً لبيانات «جيه بي مورغان»، و«إس آند بي غلوبال».

ويأتي هذا الزخم في ظل انتعاش أسواق الأسهم والديون العالمية، ما يدفع الشركات إلى استغلال انخفاض تكاليف التمويل، بينما يراهن المستثمرون على أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستُحدث أثراً أقل مما كان يُخشى على الاقتصاد العالمي.

وعلى الرغم من استعداد ترامب المتزايد لاستخدام تهديدات الرسوم الجمركية ضد اقتصادات ناشئة كبرى مثل الهند والبرازيل، فإن ثقة المستثمرين في السندات العالمية تتعزز، وسط توقعات متزايدة بانخفاض أسعار الفائدة الأمريكية في الأشهر المقبلة، مع تصاعد ضغط ترامب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وقال ألان شياو، الرئيس المشارك لقسم ديون الشركات في الأسواق الناشئة لدى شركة «ناينتي ون» لإدارة الأصول: «بدأت الأسواق تستبق تحول الفيدرالي نحو سياسة أكثر تيسيراً، فالعديد من الشركات التي كانت متحفظة بدأت تحرك محركاتها بقوة».

ولا تزال العوائد الإجمالية لمؤشر «جيه بي مورغان» المرجعي لسندات شركات الأسواق الناشئة عند نحو 6%، إلا أن ارتفاع عوائد السندات الأمريكية هذا العام أدى إلى تراجع «الفارق»، أي العلاوة التي يطلبها المستثمرون مقابل الاحتفاظ بديون تنطوي على مخاطر أعلى، إلى أقل من نقطتين مئويتين فوق عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، وذلك لأول مرة منذ نحو عقدين.

كما ضاق هامش العائد بين سندات الخزانة الأمريكية وسندات الشركات عالية المخاطر ذات العائد المرتفع في الأسواق الناشئة.

ويتوقع محللو «جيه بي مورغان» أن يبلغ إجمالي إصدارات ديون الشركات الدولية خارج الصين لعام 2025 نحو 370 مليار دولار، أي بفارق طفيف عن إجمالي عام 2021.

وبإضافة المُصدرين الصينيين، يرتفع التقدير إلى 433 مليار دولار، غير أن مدفوعات سداد الديون يُتوقع أن تتجاوز هذه القيمة، وقد فاقت بالفعل حجم الإصدارات الجديدة هذا العام بنحو 8 مليارات دولار.

ويضيف شياو: «شهد عاما 2020 و2021 أقوى موجة إصدارات في تاريخ ديون الشركات بالأسواق الناشئة»، والعام الحالي يسير على نفس وتيرة 2021، إلا أن الديون الناتجة عن طفرة الإصدار خلال الجائحة أصبحت مستحقة السداد الآن.

ويختتم قائلاً: «ما لا تكشفه الأرقام الظاهرة أن صافي العرض سلبي حتى الآن»، وذلك بعد سنوات شهدت ارتفاعاً في أسعار الفائدة العالمية وتراجعاً في اندفاع الشركات نحو الأسواق لإعادة تمويل ديونها.

وكانت الصين تهيمن في السابق على مبيعات السندات الدولية للشركات في الأسواق الناشئة، غير أن أزمة الديون التي عصفت بقطاع التطوير العقاري منذ 2021 دفعت المقترضين للانكفاء نحو الأسواق المحلية التي شهدت انهياراً حاداً في أسعار الفائدة.

وبحسب بيانات «جيه بي مورغان»، تجاوزت إصدارات الحكومات في الأسواق الناشئة من الديون الدولية 160 مليار دولار منذ بداية العام، في وتيرة تفوق تلك المسجلة في عام 2020 الذي كان عاماً قياسياً من حيث حجم الإصدارات.

وتصدرت السعودية -حكومة وبنوكاً- قائمة مصدري السندات المقومة بالدولار هذا العام، حيث اتجهت الرياض نحو الاقتراض لتمويل الزيادة في استثماراتها المحلية.

كما أنه في خطوة لافتة، أصدرت الحكومة المكسيكية أخيراً حزمة سندات ضخمة بقيمة 12 مليار دولار لدعم خطة إنقاذ جزئية لشركة النفط الحكومية «بيمكس».

ورغم تهديدات ترامب الأخيرة بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على واردات الهند والبرازيل على خلفية نزاعات مع البلدين، يقول شياو: «ما يثير الدهشة هو التعامل الهادئ والمتزن للأسواق مع هذه التهديدات الجمركية».

ويستطرد قائلاً: «رغم خطورة هذه التصريحات إذا تحققت، فإن الأسواق تتعامل معها بنظرة استشرافية وتتجاهل وقعها جزئياً»، ويعزو ذلك جزئياً إلى «التفاصيل الدقيقة» المتمثلة في الإعفاءات المحتملة للصادرات الرئيسية إلى الولايات المتحدة.

وتشير حسابات المستثمرين، على سبيل المثال، إلى أن التهديد الأمريكي بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المكسيك سينخفض فعلياً إلى أقل من 10% في المتوسط، عند الأخذ في الاعتبار حجم البضائع الخاضعة لمعدلات أقل بموجب اتفاقية التجارة الثلاثية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.