آلان بيتي
قد لا يكترث كثيرون بما يحدث مع سويسرا من ضغوط تجارية، لكن دونالد ترامب نجح في تحويل الاهتمام إلى هذا البلد، عندما فرض رسوماً جمركية باهظة، بلغت 39 % على صادراتهم، لأسباب ما زالت غامضة، وتستعصي على فهم المحللين.
غير أن أكثر خطواته إثارة للدهشة، تمثلت مؤخراً في فرض ضريبة تصدير غير رسمية بنسبة 15 % على مبيعات شركتي «إنفيديا» و«إيه إم دي» من أشباه الموصلات إلى الصين.
ومع ذلك، فإن الصيغة المعتمدة على العجز التجاري التي بُنيت عليها تلك الرسوم، كانت على الأقل، ترتبط بشكل غامض بالهدف المعلن، المتمثل في تقليص اختلالات الميزان التجاري.
لكن هذه الرسوم تحولت إلى ما يشبه «شجرة عيد الميلاد»، التي علّقت عليها مختلف أطراف الإدارة، بما فيهم ترامب نفسه، أهواءهم الجيوسياسية والتجارية، وهو ما نسف أي مظهر من مظاهر الاتساق أو المنطق في السياسة التجارية الأمريكية.
أما ضريبة التصدير المفروضة على رقائق شركتَي «إنفيديا» و«إيه إم دي»، فتفتقر إلى المنطق من زوايا متعددة، فإذا كان هدف ترامب حرمان الصين من التكنولوجيا المتطورة، فلن تؤدي رسوم بنسبة 15 % إلى ذلك إطلاقاً.
أما إذا كان الهدف هو زيادة الإيرادات، فهذا لن يتحقق إذا توقفت الشركات الصينية عن الشراء، وهو ما يتناقض مع الهدف الأول.
ووفقاً لمنطق ترامب نفسه، فإن عرقلة الصادرات ستؤدي إلى تفاقم العجز التجاري، لا تقليصه.
ومع ذلك، تصر الإدارة الأمريكية على تقديم هذه الحملة العشوائية للإكراه الاقتصادي، بصفتها فلسفة متماسكة لإدارة التجارة العالمية، حيث أطلق عليها الممثل التجاري الأمريكي، جيميسون غرير، مؤخراً، اسم «نظام تيرنبيري»، نسبة إلى الفندق الإسكتلندي الذي صاغ فيه دونالد ترامب اتفاقاً فضفاضاً وغير ملزم مع الاتحاد الأوروبي بشأن الرسوم.
أما «اتفاق مارالاغو» لإعادة تنظيم أسعار الصرف، الذي كان من المفترض أن تكون سياسة ترامب الجمركية محفزاً له، فلم يأتِ أحد على ذكره، في دلالة على السرعة التي تتبخر بها هذه المخططات، لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.
فلا أحد يصدق حقاً أن اليابان ستمول صندوقاً سيادياً بقيمة 550 مليار دولار، بينما لا تزال المملكة المتحدة بانتظار الإعفاء الموعود من الرسوم الجمركية على صادراتها من الفولاذ، الذي يُفترض أنه تم إقراره في مايو الماضي.
فرغم أن الأسواق المالية ظلت متفائلة (ربما بسذاجة) بشأن النمو، وجاءت بيانات التضخم مطمئنة، إلا أن سوق العمل والناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات الإنتاج المستقبلية المبنية على استطلاعات الرأي، تظهر جميعها علامات ضعف ملحوظة.
وبذلك، فإن هذه السياسة لا تشكل نموذجاً يُحتذى للآخرين.
وعلى النقيض من السياسة الصناعية لبايدن، التي دعمت بسخاء تكنولوجيا الطاقة الخضراء، فإن «اقتصاد تيرنبيري الترامبي»، لم يجد من يقتدي به على الساحة الدولية، ولا يقتصر السبب على ذلك، إذ إن معظم الدول لا تمتلك القوة السوقية اللازمة لفرض تنازلات مماثلة على شركائها التجاريين.
ثمة رأي يذهب إلى أن ترامب يحوّل الولايات المتحدة إلى نسخة شبيهة بالصين، من حيث التدخلات السياسية في الاقتصاد.
غير أن السياسة الصناعية الصينية أكثر تخطيطاً ودقة بكثير من نهج ترامب القائم على آراء آخر شخص يتحدث إليه.
فالتفوق الصيني المتنامي في إنتاج السيارات الكهربائية على المستوى العالمي، يعكس سياسة صناعية ممتدة منذ أكثر من عشرين عاماً، شملت إنفاقاً موجهاً على البحث والتطوير وحوافز استهلاكية.
ولم يتحقق ذلك لمجرد أن أحد كبار التنفيذيين في صناعة السيارات التقى الرئيس الصيني السابق، هو جينتاو، في نادٍ للغولف خلال العقد الأول من الألفية، وأقنعه بمنح شركته امتيازاً ضريبياً، مقابل المديح وحفنة من الملايين، كمساهمات في الحملات السياسية.
ولا شك أن الحكومات والشركات تتهافت لتقديم كل ما في وسعها، مادياً أو رمزياً، لإرضاء ترامب.
غير أنه لا تلوح في الأفق مؤشرات كثيرة على أن العلاقات بين الدول باتت تُدار بالأسلوب ذاته.
فهي قد تدفع بالولايات المتحدة نحو هامش الاقتصاد العالمي، لكنها حتى الآن لم تُحدث تباطؤاً اقتصادياً عالمياً يشبه ما شهدته ثلاثينيات القرن الماضي، أو حتى أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة.
إنها أقرب إلى قصة تحذيرية، وليست شرارة لكارثة عالمية، أشبه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، لكن على نطاق أوسع بكثير.
