من الطفرة إلى التعثر.. نموذج «البيع مباشرة للمستهلك» يفقد بريقه

بدت الشركات الناشئة التي تتبنّى نموذج «البيع مباشرة إلى المستهلك»، وكأنها على وشك اكتساح الأسواق في فترة ما؛ فقد أخذت هذه الفئة الجديدة من تجار التجزئة منتجات تُستخدم يومياً، ثم قدمت منها نسخاً محسّنة، وطرحتها للبيع مباشرة عبر الإنترنت بأسعار أقل.

وبدا أن هذه الشركات تسير بخطى متسارعة، لا يمكن إيقافها، مستندة إلى وعود بخفض النفقات التشغيلية، والتخلص من الوسطاء في عملية البيع، كما أنها دعمت نشاطها بحملات تسويقية مبتكرة، إلى جانب دعم سخي من صناديق رأس المال المخاطر.

بلغ هذا النموذج ذروة نجاحه في عام 2021، حين دخلت شركات، مثل شركة توزيع النظارات «واربي باركر»، ومصنّعة الملابس الطبية «فيغز»، وشركة الأحذية الرياضية الصوفية «أول بيردز»، إلى الأسواق العامة، عبر اكتتابات أولية ضخمة ولافتة.

وقد استرعى هذا التوجه انتباه العلامات التجارية الكبرى، إذ شهد ذلك العام أيضاً بدء انسحاب ملحوظ لعملاق الأحذية الرياضية «نايكي» من قنوات التوزيع بالجملة، في مسعى لتعزيز مبيعاتها المباشرة إلى المستهلكين.

لكن يبدو أن انتعاش نموذج البيع مباشرة إلى المستهلك، استحال إلى كساد في يومنا الحاضر، فقد أعلنت كل من «وينك» و«سمايل دايركت كلوب»، التي تبيع مستلزمات تقويم الأسنان الشفافة مباشرة إلى المستهلكين إفلاسهما، أما شركة «واربي باركر»، التي شهدت أسعار أسهمها أوج نجاحاتها بتداولها عند أكثر من 58 دولاراً للسهم، تتداول الآن عند مستويات تقل عن نصف هذه القيمة.

كما فقدت «أول بيردز»، التي كانت أحذيتها هي الخيار المُفضل لنخبة قطاع التكنولوجيا، فقد فقدت ما يقرب من 99 % من قيمتها، بعدما كانت تُتداول أسهمها بما يزيد على 520 دولاراً للسهم الواحد.

كذلك، فقد هوت أسهم «فيغز» بنسبة 85 %، من القمم التي سجلتها في عام 2021. وبالنسبة لشركة «كاسبر»، التي تبيع المراتب مباشرة للمستهلكين، فقد تم الاستحواذ عليها، وتخارجت من السوق بعد هبوط أسهمها. وفي الوقت ذاته، تعود «نايكي» إلى أعمال الجملة، بعدما أخفقت استراتيجيتها المُوجّهة للمستهلكين مباشرة في تحقيق الزخم المتوقع.

فما السبب وراء إخفاق نموذج البيع مباشرة إلى المستهلكين؟ ربما يكمن السبب وراء ذلك، في أن هذه الشركات، وعلى الرغم من أن مصروفاتها العامة ليست مثل شركات التجزئة التقليدية، إلا أنها وجدت نفسها مضطرة إلى الإنفاق بسخاء على الإعلانات، للحصول على عملاء.

وبلغ إنفاق «أول بيردز» و«واربي باركر» على التسويق، ما يساوي نحو 28 % من إيراداتهما، خلال أول ستة أشهر من العام الجاري. كما تتراكم تكاليف تلبية طلبات التجارة الإلكترونية.

ويُعد شحن آلاف الطلبيات الصغيرة مباشرة إلى المستهلكين، أقل كفاءة بكثير من شحنات الطلبيات الضخمة للبيع بالجملة. كذلك، تتزايد تكاليف اجتذاب العملاء عبر وسائل التواصل، في ظل ازدياد المنافسة. وقد أشارت «ميتا» إلى ارتفاع متوسط السعر للإعلان الواحد بنسبة 10 % خلال العام الماضي.

في الوقت ذاته، طوّرت متاجر البيع التقليدية بالتجزئة حضورها على ساحة التجارة الإلكترونية. ورداً على ذلك، توسّعت شركات البيع مباشرة إلى المستهلكين، وأصبح لديها متاجر فعلية لتعزيز مبيعاتها. لكن ذلك يأتي ومعه عيوبه، وهو ارتفاع تكاليف التشغيل.

ولا تحقق أي من «أول بيردز» أو «واربي باركر» أرباحاً، كما تراجع إجمالي هامش الربح لدى كلا الشركتين في الربع الأخير. وبالنسبة لشركة «أول بيردز»، التي تواجه منافسة من منتجات مُقلّدة، فقد قررت مؤخراً إغلاق بعض متاجرها، والتحوّل إلى نموذج التوزيع بالجملة في بعض الأسواق الخارجية.

يشير كل ذلك إلى حقيقة مفادها أن نماذج أعمال البيع بالتجزئة متقاربة. وبصفة عامة، لم يعُد هناك تمييز واضح بين الساعين وراء المبيعات على الإنترنت، وتلك المادية، أو التوزيع بالجملة، أو من خلال متاجر خاصة. ولا يترك كل ذلك للشركات العاملة بنموذج البيع مباشرة إلى المستهلك إلا خياراً واحد، وهو البحث عن أفكار تحويلية مبتكرة تماماً.