مرسيدس رويل
ليس من المعتاد أن تجد سويسرا نفسها في موقع الطرف الأضعف في نزاع تجاري عالمي، والأكثر ندرة من ذلك أن تتعرض لإجراءات عقابية من أحد أكبر شركائها التجاريين، وذلك بعدما قامت الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية بنسبة 39% على معظم السلع السويسرية، عقب انتهاء مهلة قصيرة.
وتسود في سويسرا حالياً أجواء من الاتهامات المتبادلة، فيما تفكر الحكومة السويسرية في الخطوة التالية، مع تعهد برن في الوقت نفسه بمواصلة الحوار مع واشنطن.
ولطالما كانت سويسرا هدفاً للرئيس الأمريكي، إذ حققت فائضاً تجارياً بقيمة 48.5 مليار فرنك (ما يعادل 60 مليار دولار أمريكي) مع الولايات المتحدة في عام 2024 واستوردت في المقابل كمية محدودة من السلع الأمريكية.
وفي ضوء هذه الاستثناءات، خصوصاً الذهب والمستحضرات الدوائية، فيما ستتأثر صادرات مهمة بصورة مباشرة جراء هذه التعريفات، مثل الساعات، والماكينات، والأدوات الصناعية، والشوكولاتة.
وحتى تايوان، شديدة الاعتماد على التجارة مع الولايات المتحدة ورغم هشاشتها الدبلوماسية، إلا أنها حصلت على حد أقصى للتعريفات الجمركية قدره 20% مع تطبيق تدريجي للإعفاءات. إذن، ما السبب وراء المعاملة المتفردة التي تحصل عليها سويسرا؟
وجاءت غالبية الفائض التجاري الأخير الذي حققته البلاد من الذهب والمستحضرات الدوائية، ويعود اختلال التوازن هذا إلى حد كبير إلى عمليات المراكمة في أوائل العام الجاري.
ويقول هانز- بيتر بورتمان، المسؤول التنفيذي المصرفي السويسري والسياسي بمجلس الشيوخ: «تتمتع سويسرا بسمعة الوفاء بالتزاماتها، لكن ذلك يمكن أن يعتبر ضعفاً في عالم يكافئ الطموح، خصوصاً عندما تواجه شخصاً مثل دونالد ترامب»، كما أن هناك سمات هيكلية تعيق الدبلوماسية السويسرية، وهي وجود مجلس فيدرالي مكون من 7 أعضاء وذي رئاسة دورية، وآليات ديمقراطية مباشرة بإمكانها فرض استفتاءات على أمور مهمة، علاوة على ترسخ الحيادية التقليدية للبلاد والتي تحد من نفوذها الجيوسياسي.
وتابع: «لا يمكن، مثلاً، للرئيس السويسري أن يعرض بصورة أحادية ضخ استثمارات بقيمة 30 مليار دولار، أو تسهيل الوصول إلى القطاع الزراعي، دون المخاطرة بردود فعل محلية سلبية أو طرح المسألة للتصويت»، موضحاً: «لا يمكن للحكومة أن تتعهد باستثمارات من جانب القطاع الخاص بالطريقة ذاتها التي تفعلها دول أخرى».
وكانت هناك أيضاً اقتراحات بزيادة مشتريات الغاز الطبيعي الأمريكي المسال، لكن سويسرا تفتقر إلى بنية تحتية للاستيراد، كما أنها تستهلك الغاز بكميات هامشية. لذا، سيكون أي اتفاق من هذا النوع رمزياً إلى حد كبير.
وتعد المنتجات الزراعية خياراً آخر، لكن من المؤكد تقريباً أن هذا الخيار سيتطلب استفتاءً ومعارضة قوية متوقعة من جانب المزارعين.
وقد اقترح بعض المشرعين استغلال هذا الأمر لفرض تعريفات جمركية تفضيلية بناءً على معايير بيئية أو وفق مصدر الذهب، واقترحوا أيضاً استهداف المصافي الأجنبية التي تعمل في البلاد برسوم جديدة خاصة، لكن المصرف المركزي السويسري حذر بقوة من أن بيانات تجارة الذهب، والتي تعد مالية إلى حد كبير في طبيعتها، تشوه المقاييس التجارية الحقيقية.
ومن شأن أي خطوة في هذا الصدد أن تكون معقدة من الجانب الفني وأن تكون محفوفة بمخاطر سياسية.
وكان إنفانتينو من بين الذين حضروا حفل تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وظهر صحبته في نهائي كأس العالم للأندية بالشهر الماضي. حتى أن البعض اقترحوا نقل مقر «الفيفا» من زيوريخ إلى ميامي ضمن عرض للقوة الناعمة.
كذلك تمارس شركات سويسرية، مثل «روش» و«بارتنرز غروب»، ضغوطها في واشنطن. لكن يظل من غير الواضح ما إذا كانت هذه القنوات الخاصة يمكن أن تفلح حيث أخفقت المفاوضات الحكومية.
وتبدو سويسرا في وضع غير مواتٍ في هذا العصر للثنائيات العدوانية، وهي التي لطالما كان يشاد بها لكونها ليست من بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، ولإبقائها على سيادتها التامة على القواعد التنظيمية، والزراعة، والهجرة، والسياسة الخارجية.
ويتساءل بعض المسؤولين ومجموعات الضغط عما إذا كان هذا الوضع يمكن أن يفضي إلى تقارب أكبر مع الاتحاد الأوروبي لحماية أفضل في المستقبل.
لكن السؤال الحقيقي ربما يكون: هل تحول استقلال البلاد الذي لطالما احتفت به، وسيادتها التنظيمية، وحيادها، وانضباطها السياسي إلى أعباء تثقل كاهلها في اقتصاد اليوم الجيوسياسي؟
