روتشير شارما
طوال العقد الماضي، ومع تفوق سوق الأسهم الأمريكية على منافسيها، بتحقيقها عوائد أعلى بثلاث مرات من متوسط العوائد ببقية العالم، ساد اعتقادٌ بأن الولايات المتحدة تحتكر تكوين الثروة.
وجميعها تُناقض الاعتقاد السائد بأن أمريكا هي التي تمتلك ثقافة ريادة أعمال مزدهرة قادرة على تكوين ثروة طائلة.
ويبقى هذا الوهم قائماً لأن هوس التكنولوجيا القائم على الذكاء الاصطناعي يُركز الثروة في الولايات المتحدة بدرجاتٍ مذهلة.
ومنذ ديسمبر، شهدت الولايات المتحدة بروز أول شخص تتجاوز قيمة ثروته أكثر من 400 مليار دولار (إيلون ماسك، لفترة وجيزة) وأول شركة تبلغ قيمتها أكثر من 4 تريليونات دولار (إنفيديا).
ومع ذلك، تُظهر أحدث الأبحاث أنه بعد أكبر 10 شركات وأفراد في العالم، فإن العديد من الدول تولد في الواقع أيضاً ثروات كبيرة.
ومنذ عام 2015، أنتج العالم ما مجموعه 444 شركة بمتوسط عوائد سنوية بالدولار يزيد على 15 %، وقيمة سوقية تتجاوز اليوم 10 مليارات دولار.
ظهرت الغالبية العظمى من هذه الشركات - 248 - خارج الولايات المتحدة. وتنتشر مولدات الثروة السريعة هذه، في جميع أنحاء العالم.
وتتمتع دول مثل اليابان وكندا وتايوان وسويسرا وألمانيا بحصتها العادلة ولكن الأعداد الكبيرة موجودة بالفعل في الصين، مع أكثر من 30 من هذه الشركات، ومن اللافت للنظر أيضاً بروز الهند على الرغم من انخفاض دخل الفرد نسبياً.
وانتجت الهند، موطن سوق الأسهم الصاعدة الرئيسة الوحيدة خلال العقد الماضي خارج الولايات المتحدة، نحو 40 شركة من هذه الشركات خلال تلك الفترة. وبرز معظم هذه الشركات في قطاعات التصنيع والتكنولوجيا والتمويل.
وتتقدم الولايات المتحدة بالفعل في قطاع التكنولوجيا، لكن دولاً أخرى أنتجت أيضاً منافسين رئيسين في هذه الفئة مثل شركة تي إس إم سي التايوانية وشركة «إس أيه بي» الألمانية.
بموازاة ذلك، يتقدم باقي العالم بوضوح في الصناعات التحويلية وشركات التمويل الناجحة، مع أمثلة تتراوح من شركة كورية لتصنيع معدات السكك الحديدية إلى خدمة مصرفية سعودية. ورغم أن هذه الشركات لا تحظى بالاهتمام الذي تجذبه التكنولوجيا إلا أنها تبقى مولدة لثروات حقيقية.
وفي العام الماضي، قدم تقرير دراجي للقارة إحصاءات تدعو للكآبة حول ثغراتها في التكنولوجيا، بما في ذلك حقيقة أن أقل من شركة واحدة من كل 10 من أكبر 50 شركة تقنية في العالم أوروبية. وهذا صحيح بالتأكيد، فالاتحاد الأوروبي لديه مشاكل.
وبعد سبات طويل، تظهر علامات على صحوة ريادة الأعمال: تضاعف عدد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في أوروبا بأكثر من 4 أضعاف في العقد الماضي ليصل إلى 35 ألف شركة. وحيث تنشأ شركات بمليارات الدولارات، فمن المحتمل بقوة أن ينمو عدد المليارديرات.
ومنذ عام 2015، زاد عدد المليارديرات في العالم بمقدار 1200 إلى أكثر من 3000، وظهر سبعة من كل 10 مليارديرات جدد خارج الولايات المتحدة. وبينما زاد عدد الأسماء في قائمة فوربس بنسبة 70 % في أمريكا، فقد زاد بنسبة 90 % أو أكثر من الهند والصين إلى كندا وحتى إيطاليا.
ويشملون عشرة من قطاع التصنيع في الهند، وخمسة أفراد من عائلة داسو بصناعة الطيران الفرنسية، وقطب التعدين الأسترالي أندرو فورست، وبراجوغو بانجستو، قطب الكيماويات الإندونيسي.
وخارج الهند، تبلغ القيمة لدى هؤلاء الأفراد والعائلات أكثر من 10 مليارات دولار ليست بحجم أموال ماسك بالتأكيد، ولكنها تبقى ثروة طائلة.
علاوة على ذلك، فإن شركات اليونيكورن - الشركات الخاصة التي تزيد قيمتها على مليار دولار - ليست أمريكية حصرياً أيضاً؛ حيث يوجد ما يقرب من 40 من أكبر 100 شركة في دول أخرى.
لا شك في أن الولايات المتحدة قد شهدت أداءً استثنائياً على مدار العقد الماضي، لكنها خلقت الثروة بشكل رئيس في القمة.
وهذا ليس بالضرورة أمراً إيجابياً للمجتمع، ولا سيما في وقت يتزايد فيه الغضب ضد عدم المساواة في الثروة وقوة القلة الاحتكارية. وتُدار آلة الثروة الأمريكية الآن إلى حد كبير من قبل وادي السيليكون ولصالحه.
ولكن، بسبب انبهارهم بالعناوين الرئيسة التي تتفاخر بهذه الثروات الهائلة، أصبح الكثير من الناس يعتقدون بأن أمريكا لديها قبضة خانقة على الثروة متجاهلين المكاسب في بقية العالم والتاريخ.
وفي ظل العلامات التي تشير إلى عودتها، مع تفوق الأسواق الأجنبية بشكل كبير على الولايات المتحدة حتى الآن هذا العام، فمن المرجح أن يثبت العقد المقبل بشكل أكثر وضوحاً أنه ليس هناك دولة واحدة تحتكر خلق الثروات.
