الفجوة واسعة بين وعود الذكاء الاصطناعي وواقع الإنجازات

بيليتا كلارك
ظهر الذكاء الاصطناعي في يوم الاثنين الأول من هذا الشهر، في أبرز عناوين الأخبار العالمية أكثر من 2100 مرة. 

وأشارت الأخبار إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في الاحتيال على الناس في ماليزيا، وتعلّمه لغة لوغاندا في أوغندا، بالإضافة إلى إعادة تشكيله لمشهد شركات التكنولوجيا في الهند، وصنعه للمليارديرات في كل من الولايات المتحدة والصين.

الأمر كان مختلفاً في الاثنين ذاته من أغسطس العام الماضي، حينما أتت عناوين الأخبار على ذكر الذكاء الاصطناعي 764 مرة فقط، بحسب البحث الذي أجرته «فاكتيفا»، وهي قاعدة بيانات عالمية للصحف والمجلات ومصادر إخبارية أخرى.

وبلغ الرقم 140 مرة فقط في عام 2022، وما لا يزيد على 110 مرات في عام 2020، الذي شهد تفشي الجائحة. وإذا ما عدنا عِقداً إلى الوراء إلى عام 2015، لوجدنا أن عناوين الأخبار لم تذكر الذكاء الاصطناعي إلا تسع مرات فقط.

ولا تُبدي طفرة الذكاء الاصطناعي التي أعقبت إطلاق «تشات جي بي تي» في عام 2022، أي مؤشرات على الانحسار، غير أني تمنيت في كثير من الأحيان لو توقفت هذه الجلبة. ولأكون دقيقة، أتمنى لو كان هناك يوم، أو حتى نصف يوم، لا أطالع فيه أو أسمع أو يُطرح عليّ سؤال عن شيء ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.

ولا يتعلق الأمر بعدد المرات المثيرة للإحباط التي يستمع فيها المرء إلى تسبب هذه التكنولوجيا في الإجهاز على الوظائف، أو أنها تجعلنا أقل ذكاء، أو عن اختلاقها للأمور، أو أنها تعزز الاحتيال، أو أنها تسرق الأعمال الإبداعية، أو أنها تزيد من الانبعاثات الكربونية، بينما تغذي أعمال مجموعة من عمالقة التكنولوجيا.

كما لا يتعلق الأمر أيضاً بالتقييمات الآخذة في التصاعد لعمالقة التكنولوجيا، ولا حتى حوافز استقطاب المواهب البالغة 100 مليون دولار، التي يمكن أن تحصل عليها العقول اللامعة في عالم بحوث الذكاء الاصطناعي.

إن الأمر يتجاوز مجرد الموجة الغامرة للأنباء حيال الذكاء الاصطناعي، الذي تخفق بصورة واضحة في تحقيق مستوى متكافئ حول كيفية استخدامه، وما سيفعله مستقبلاً.

وتبدو الفجوة بين ما يعرفه الضالعون في الصناعة، وما يعرفه الهواة عن الذكاء الاصطناعي في الأعوام الثلاثة منذ إطلاق «تشات جي بي تي»، آخذة في الاتساع.

وباعتباري هاوية، فلا شك لدي فيمن يعملون في الخدمات المهنية، الذين يزعمون أن التقارير التي يولّدها الذكاء الاصطناعي، توفر آلاف ساعات العمل، أو الباحثين الذين يشيرون إلى أنها تسهّل عليهم التعرف إلى الأمور غير الطبيعية في الأشعة السينية على الصدر.

وبإمكاني إدراك لِمَ قد تساعد نماذج الذكاء الاصطناعي التي طوّرها الباحثون الحائزين على جوائز نوبل مستقبلاً، في التغلّب على مجموعة متنوعة من الأمراض، تتراوح من مرض باركنسون، وحتى البكتيريا المقاومة للأدوية، والتلوث البلاستيكي.

وقد تحدثت منذ فترة إلى مارك سوزمان الرئيس التنفيذي بمؤسسة غيتس، الذي قال إن تطبيقات نماذج الذكاء الاصطناعي، تمد المزارعين بيد المساعدة في الوقت الفعلي، وتساعدهم على زراعة المحاصيل وبيعها. ويعتقد سوزمان أن مثل هذه النماذج، سيكون لها تأثير «تحوّلي» في آسيا وأفريقيا.

لكن المشكلة تكمن في أن كل هذا يبدو بعيد المنال، مقارنة بالكثير الذي نقرأ عنه بشأن الذكاء الاصطناعي، ناهيك عن خبراتنا الحياتية معه.

وقد استغرق مني البحث على قاعدة بيانات «فاكتيفا» لمطالعة عناوين الأنباء المنشورة عن الذكاء الاصطناعي بعض الوقت، وتطلّب مني اشتراكاً مدفوعاً، لكن على الجانب الآخر، لم يستغرق الأمر من «تشات جي بي تي» سوى ثوانِ ليضللني ويخبرني بأن يوم الرابع من أغسطس من عام 2025، لم يشهد إلا نشر «عنوان واحد فقط» في أبرز المنافذ الإعلامية، وكان يحتوي صراحة على عبارة «الذكاء الاصطناعي».

تجعلني مثل هذه اللحظات قلقة حيال العدد المتزايد من الناس الذين أعرفهم، ويعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي في تشخيص مشكلاتهم الطبية، أو في صياغة العقود القانونية، أو «التحقق» مما يقرؤونه على الإنترنت، وهو الأمر الأكثر إثارة للقلق.

إن تجربتي، رغم كونها بسيطة وغير علمية، إلا أنها تضيف وزناً لدراسة صدرت نتائجها الشهر الماضي، وأظهرت أن المبرمجين المخضرمين، الذين يبدو أن وظائفهم تواجه خطراً جاداً بسبب الذكاء الاصطناعي، استغرقوا وقتاً أطول بنسبة 19 %، لإنجاز مجموعة من المهام باستخدام أدوات البرمجة التي يشغّلها الذكاء الاصطناعي، مقارنة بإنجاز هذه المهام من دونها.

صحيح أن الأمور قد تتغير، إذ تضاعفت نسبة الأمريكيين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي يومياً، مقارنة بما كان عليه الأمر قبل 12 شهراً، حتى وإن لم تتجاوز النسبة 8 % فقط. لكن، في الوقت الراهن، نحن عالقون في فوضى من الارتباك بشأن الذكاء الاصطناعي.

وقد توصل استطلاع أجرته «غالوب» مؤخراً، إلى أن 49 % من الأمريكيين يعتقدون بأن الذكاء الاصطناعي مجرد إنجاز تكنولوجي آخر، سيعمل على تحسين حياتنا، وتعتقد 49 % أخرى، أنها تكنولوجيا مختلفة، تهدد بالإضرار بالبشر والمجتمع.

ومن اللافت أن 49 % يعتزمون مقاومة استخدام الذكاء الاصطناعي في حياتهم، طالما كان ذلك ممكناً. وهذه نسبة كبيرة بالفعل. كما أن الوقت ما زال مبكراً، ففي عام 2000، أكد أكثر من 20 % من الأمريكيين أنهم لن يشتروا هاتفاً نقالاً أبداً، وكلنا يعلم كيف صارت الأمور الآن.