شواطئ العالم تعاني.. والسبب نقص الرمال بفعل تغيّر المناخ

إيفا شياو

في بلدة رودانتي الصغيرة، الواقعة على شريط الجزر الضيق المعروف باسم «أوتر بانكس» في ولاية كارولاينا الشمالية، ومع بلوغ موسم الصيف ذروته، يتوافد المصطافون للاستمتاع بسحر الواجهة البحرية. لكن مع حلول الشتاء، لا يغيب الزوار فحسب، بل يتآكل جزء من الشاطئ كل عام.

إن رودانتي تخسر سنوياً ما بين 10 - 15 قدماً من شاطئها بسبب التآكل، وهي من أعلى المعدلات المسجلة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. ويخلف ذلك آثاراً مدمرة. فمنذ عام 2020، انهار 11 منزلاً وابتلعها المحيط، فيما يواجه المزيد من المنازل خطر المصير نفسه.

وتعد رودانتي واحدة من بين العديد من المجتمعات الساحلية حول العالم التي تواجه معضلة وجودية تتفاقم بفعل تغير المناخ: أزمة نقص الرمال، فالرمال تمثل حاجزاً طبيعياً مهماً في وجه الظواهر الجوية المتطرفة، خصوصاً الفيضانات.

ورغم الصورة الذهنية الشائعة للرمال كمورد وفير، إلا أن الواقع يشير إلى أن الطلب المتزايد – خصوصاً من قطاع البناء – يؤدي إلى استنزاف الإمدادات وارتفاع الأسعار.

ويقول بوبي أوتن، مدير مقاطعة دير التي تضم بلدة رودانتي: «لا أعلم إن كان ذلك سيحدث خلال 10 أعوام أو 100، لكن سيأتي وقت إما أن تنفد فيه الرمال أو تصبح مكلفة بشكل غير محتمل. ولا يمكننا الانتظار حتى وقوع الأزمة لنبدأ النقاش حولها».

وعلى مدى عقود، شكلت «تغذية الشواطئ» أحد الحلول الأساسية لمواجهة تآكل السواحل، وهي عملية يتم فيها جلب رمال جديدة من مناطق أخرى. وغالباً ما يستخرج هذا الرمل من قاع البحر أو من مجارٍ مائية قريبة، ليس فقط لتقليل تكاليف النقل، بل أيضاً لضمان ملاءمة الرمال الجديدة للحالية من الناحيتين البيئية والجمالية.

لكن إعادة تغذية الشواطئ الضيقة في رودانتي قد تتجاوز كلفتها الأولية 40 مليون دولار، وهو مبلغ لا يتوفر حالياً، وهو ما يترك أصحاب المنازل المطلة على المحيط أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانتقال إلى الداخل، في ما يعرف علمياً بـ «الانسحاب المنظم»، أو البقاء في أماكنهم والتعويل على الحظ.

ورغم أن حالة رودانتي تعد من بين الأسوأ، إلا أن مشاعر القلق ذاتها تتسلل إلى بعض أشهر المجتمعات الشاطئية حول العالم، فمن ميامي إلى برشلونة وساحل الذهب الأسترالي، تسعى الحكومات جاهدة لإيجاد حلول للحماية، أو على الأقل تأخير تراجع خطوط السواحل في السنوات المقبلة.

صحيح أن جزءاً من هذا التآكل طبيعي، لكن العواصف، والتيارات القوية، وارتفاع منسوب مياه البحار بفعل الاحترار العالمي الناتج عن النشاط البشري، والذي يتسبب في ذوبان الأنهار الجليدية حول العالم بمعدلات مقلقة، كلها عوامل تفاقم الظاهرة.

وفي برشلونة، تواجه الشواطئ الاصطناعية للمدينة تآكلاً مستمراً يقدر بنحو 30 ألف متر مكعب سنوياً، أي ما يعادل تقريباً حجم 12 مسبحاً أولمبياً، بحسب مجلس المدينة. ويتفاقم هذا العجز خلال العواصف، مثلما حدث في الخريف الماضي حين ضربت عاصفتان عنيفتان أوروبا الغربية.

وتسلط الحاجة المتزايدة إلى تعزيز الشواطئ وحماية التطوير العمراني الساحلي الضوء على معضلة صعبة، فالشواطئ ليست مجرد مورد طبيعي، بل تعد أصولاً سياحية بمليارات الدولارات، وهي شريان الحياة للاقتصادات المحلية. كذلك، يعيش نحو 10% من سكان العالم على بعد لا يتجاوز 5 كيلومترات من خط الساحل، وهي نسبة مرشحة للارتفاع. ومع ذلك، فإن البناء على السواحل يمكن أن يعيق التدفق الطبيعي للرمال، ويفاقم المشكلة.

لكن «تغذية الشواطئ»، في النهاية، هي حل مؤقت يتطلب إعادة التطبيق دورياً. وتعتمد فعاليته وطول مدته على معدلات التآكل المحلية، والمناخ، والجيولوجيا، فضلاً عن البنية التحتية القريبة من الساحل. وبعض الشواطئ تحتاج إلى ضخ رمال جديدة كل عامين، فيما قد تصمد شواطئ أخرى لعقد كامل.

وفي الولايات المتحدة، حيث يستخدم هذا الأسلوب منذ أكثر من قرن، خضع ما يقرب من 600 شاطئ لعمليات تغذية بالرمال، بحسب بيانات جامعة «ويسترن كارولاينا» التي تتابع هذه الممارسة منذ عام 1923. وبلغ الطول الإجمالي للشواطئ التي خضعت لإعادة تغذية في الولايات المتحدة خلال المئة عام الماضية 5578 كيلومتراً. كما ارتفع حجم الرمال المستخدمة سنوياً، ليبلغ ذروته في عام 2019 عند نحو 50 مليون متر مكعب.

ومع ازدياد وتيرة العواصف وقوتها، وارتفاع منسوب البحار بفعل الاحترار العالمي، تتنامى المخاوف لدى العلماء والمسؤولين الحكوميين من عدم كفاية هذا الحل، وتكلفته، وتوفر الرمال نفسها.

ويقول جو فييتري، المسؤول عن إدارة مخاطر العواصف الساحلية في سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي، والذي يشرف على مشاريع تغذية الشواطئ الممولة من المال العام: «أصبح من الأصعب العثور على مصادر للرمل، كما بات الأمر أكثر تكلفة، وتناقصت الكميات المتاحة. لذلك، سنصل في لحظة ما نضطر فيها تماماً إلى التراجع والانسحاب من الساحل».