هزة كبيرة في الأوساط الإحصائية والاقتصادية الأمريكية والبريطانية

كريس جايلز

تسود حالة من الصدمة الأوساط الاقتصادية والإحصائية في الولايات المتحدة، بعد أن أقدم الرئيس دونالد ترامب على إقالة رئيسة مكتب إحصاءات العمل إريكا ماكينتارفر، بشكل مفاجئ.

ببساطة، لم تعجب الرئيس الأمريكي بيانات الوظائف، فصب جام غضبه على ناقلة الخبر، إذ اعتبر ترامب أن التخفيضات الكبيرة التي أعلنت في البيانات غير معقولة، لأنها لا تعكس ما يراه «ازدهاراً اقتصادياً في عهده».

وأعربت الجمعية الاقتصادية الأمريكية عن «قلقها البالغ» من أن تصرفات ترامب قد تقوض نزاهة المعلومات التي تعتمد عليها الأسواق والمؤسسات والجمهور يومياً. وقد بدا المشهد فظيعاً، وكان كذلك فعلاً.

ومع ذلك، فإن الإقالات الفورية لرؤساء الهيئات الإحصائية لا تقتصر على الولايات المتحدة وحدها. فمنذ أقل من ثلاثة أشهر، غادر رئيس مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة، السير إيان دايموند، منصبه بشكل فوري «لأسباب صحية».

ولم يصدر عن الجمعية الاقتصادية الملكية، المعروفة بجمودها، أي تعليق، في حين اكتفت الجمعية الإحصائية الملكية بتوجيه الشكر له والثناء على «قيادته المتميزة».

وقد جاءت هذه المغادرة على الطريقة البريطانية، فقد قدم دايموند استقالته في الفترة الواقعة بين إعلان الحكومة البريطانية في أبريل عن مراجعة لأداء وثقافة مكتب الإحصاءات، وبين صدور التقييم النقدي لتلك المراجعة في يونيو.

وفي جلسة استماع لاحقة أمام البرلمان، قدم المسؤولون إيان دايموند بصورة سيئة لدرجة أن رئيس اللجنة قال إنهم بدوا وكأنهم يصورونه كشخصية شريرة.

وبعد أن غادر رئيسا هيئتين للإحصاء في وقت واحد بطريقتين مختلفتين، أين يترك ذلك الإحصاءات الرسمية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة؟

لا تزال المملكة المتحدة من دون بديل دائم للسير إيان دايموند، وتفكر في إعادة هيكلة المنصب برمته، فيما لا يزال بنك إنجلترا الذي يعاني من ضعفٍ في الأداء، يفتقر إلى إحصاءاتٍ موثوقة.

وتعد بيانات سوق العمل من أبرز مصادر القلق حالياً. وممكن أن يكون هناك بدائل لقياس معدلات التوظيف، إلا أن المشكلة أن القياسات المختلفة تظهر اتجاهاً متضارباً، حيث تشير استطلاعات الشركات والأسر إلى ارتفاع التوظيف، بينما تظهر سجلات الضرائب انخفاضه.

وبالنسبة لمسح القوى العاملة في المملكة المتحدة، الذي يستند إلى أسئلة موجهة إلى الأسر بشأن أوضاعها في سوق العمل، فإنه لا يزال يعاني من معدل استجابة كارثي لا يتجاوز 21 %، وهذا الرقم ليس خطأً مطبعياً للأسف.

وإن كان من الصعب الإحاطة بصورة دقيقة بحالة التوظيف في بريطانيا، فإن محاولة تقييم معدل المشاركة في سوق العمل أصعب بكثير. فمسح القوى العاملة هو المصدر الوحيد الذي يمكنه قياس ما إذا كان الأفراد يبحثون عن عمل أو في حالة خمول.

وتظهر البيانات الرسمية تفاقماً في معدلات الخمول بعد عام 2020 أعقبه تحسن طفيف، لكن يحتمل أن يكون كل ذلك مجرد ضجيج إحصائي بلا دلالة حقيقية.

لا أحد يعرف على وجه اليقين. ويقول مسؤولون إن رحيل دايموند عن مكتب الإحصاءات الوطنية مرتبط بإخفاق الهيئة في معالجة هذه القضايا «الأساسية».

لم تكن هناك فضيحة وطنية، ولا ما يشير إلى أن استقلال المؤسسات الاقتصادية قد تعرض للخطر. لكن في المقابل، لم تكن هناك شفافية في ظروف رحيله، ولا مؤشرات تذكر لتحسن مقبل.

كما أن رئيس مجلس إدارة المكتب قد استقال هو الآخر، ما جعل الهيئة في حالة فراغ قيادي شبه كامل، وهو ما أدخل المؤسسة الإحصائية في دوامة من الاضطراب.

على الجانب الآخر، وعند إقالة إريكا ماكينتارفر، فإن معظم تصريحات دونالد ترامب عنها كانت غير صحيحة. فتعديلات البيانات لم تكن لتجمل سردية الوظائف في عهد سلفه جو بايدن، ولم تكن ماكينتارفر «زورت بيانات الوظائف قبل الانتخابات لتعزيز فرص كامالا في الفوز».

كما زعم الرئيس الأمريكي. ومع تعهد ترامب بتعيين خلفاً لها سريعاً، سيكون هناك مبرر حقيقي للتشكيك في مصداقية البيانات بمجرد تولي أحد المقربين منه رئاسة مكتب إحصاءات العمل.

وحقيقة أن كلام ترامب غير صحيح لا تعني أنه ينبغي علينا التغني بنجاحات المكتب تحت إدارة ماكينتارفر. فالقصة الأمريكية مألوفة جداً لكل من تابع أزمات الإحصاءات في بريطانيا خلال الأعوام الـ 15 الماضية: تمويل محدود، ومنتج بعيد كل البعد عن معيار «الذهب الإحصائي».

وتعاني أرقام مكتب إحصاءات العمل الأمريكي من مشكلات متعددة ومتفاقمة، فبيانات التضخم، على سبيل المثال، باتت تعتمد بشكل متزايد على التخمين. وإذا تعذر على المكتب جمع سعر سلعة معينة في منطقة محددة – كأرغفة الخبز المضاف إليها الحبوب مثلاً – فإنه يقدر السعر بناءً على أنواع أخرى من الخبز في المنطقة نفسها.

وإذا لم تتوافر تلك البيانات أيضاً، يلجأ إلى تسعير أرغفة مماثلة في مناطق أخرى من البلاد. وقد أصبحت هذه النوعية من التقديرات تشكل اليوم 35 % من إجمالي البيانات المقدرة في مؤشر أسعار المستهلك.

بدورها، تعاني بيانات سوق العمل الأمريكية من العيوب، فالبديل الأمريكي لمسح القوى العاملة البريطاني هو «المسح السكاني الحالي»، والذي يتجه هو الآخر نحو الانهيار في معدلات الاستجابة، تماماً كما حدث في مكتب الإحصاءات البريطاني.

كما تعتمد أرقام الوظائف الشهرية على مسح مختلف موجه إلى المؤسسات، لكنه يواجه مشكلات دقة خاصة به. وقد أجرى الزميل جويل سوس، من قسم «رادار السياسة النقدية» في فاينانشال تايمز، دراسة تحليلية معمقة العام الماضي، وخلص إلى أنه «حان الوقت لأن يتوقف الفيدرالي عن الإفراط في الاعتماد على بيانات الوظائف الشهرية في قراراته».

وقد صدر هذا التحذير قبل وقت طويل من صدور بيانات الوظائف الجمعة الماضي، والتي تضمنت، بحسب بنك غولدمان ساكس، أكبر مراجعة بالخفض لنمو الوظائف على مدى شهرين خارج فترات الركود منذ عام 1968. وكانت هذه المراجعة هي التي تسببت في إقالة ماكينتارفر.

لقد كانت البيانات صادمة بالفعل، لكن مراجعات الخفض لبيانات الوظائف مستمرة منذ عام 2023. وتشير التقديرات إلى أن البيانات الأخيرة للفترة الممتدة من أبريل 2024 إلى مارس 2025 ستراجع بالخفض مجدداً الشهر المقبل، عندما يعيد المكتب معايرة أرقامه مع سجلات التأمين ضد البطالة.

ومن هنا، كان من المنطقي أن يطالب كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني في الإدارة الأمريكية، بأن يقدم المكتب تفسيراً أوضح لمراجعته الكبيرة التي نشرت يوم الجمعة الماضي. كما كان من المعقول أن يحذر من احتمال تدهور جودة بيانات سوق العمل الأمريكية إلى مستويات نظيرتها البريطانية.

عموماً، مبررات ترامب لإقالة ماكينتارفر كانت «مشينة»، وستسهم دون شك في تقويض الثقة بالبيانات الأمريكية في المرحلة المقبلة لكن ينبغي ألا نقع في فخ الاعتقاد بأن أمريكا وحدها تعاني من بيانات مثيرة للشك. فالمملكة المتحدة، رغم احترامها العام لمؤسساتها الاقتصادية، تمر حالياً بأزمة إحصائية لا تقل حدة عما يعانيه المكتب الأمريكي.

كما لا ينبغي أن نتوهم أن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي كان نموذجاً يحتذى به. فقد أخفق في توفير بيانات دقيقة، وهذا بحد ذاته كان يمثل مشكلة كبيرة بالفعل، ليس فقط للاحتياطي الفيدرالي، بل للأسواق المالية وللجمهور أيضاً.