الحرب تشتد على شركات الاستشارات الحكومية في أمريكا

على مدار سنوات ازدهرت شركات الاستشارات الأمريكية مستفيدة من مواطن الضعف والقصور في آليات عمل القطاع العام، حيث اعتمدت الحكومة على هذه الشركات لأداء مجموعة واسعة من المهام، بدءاً من تعزيز الأمن السيبراني لوزارة الأمن الداخلي، وصولاً إلى تطوير المواقع الإلكترونية الخاصة بالطلبة الحاصلين على القروض.

وتشير البيانات إلى أن الحكومة الأمريكية أنفقت 500 مليار دولار على خدمات الاستشارات بين عامي 2019 و2023، إلا أن هذه الصناعة تواجه الآن أزمة غير مسبوقة، إذ تعهد إيلون ماسك، من خلال وزارته المسماة «الكفاءة الحكومية» بخفض تريليون دولار من الميزانية الفيدرالية الأمريكية، وقد أدى نهجه القائم على «القطع والحرق» بالفعل إلى تسريح آلاف الموظفين الفيدراليين، ويبدو أن عقود استشارات الإدارة قد تكون التالية على قائمة التخفيضات.

وتفيد التقارير بأن إدارة الخدمات العامة، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة المشتريات والتعاقدات للحكومة الأمريكية، طلبت من جميع الوكالات الفيدرالية تقديم قوائم تفصيلية بعقود الاستشارات المبرمة مع 10 شركات رئيسية، مع تقديم مبررات الحاجة لهذه العقود، وذلك بحلول نهاية الأسبوع الجاري.

وتبدو شركة «بوز ألين هاميلتون» أكثر الشركات عرضة للتأثر سلباً بهذا القرار، فهذه الشركة، التي انفصلت عن ذراعها الاستشارية في القطاع الخاص عام 2008، تعتمد في توليد كامل إيراداتها تقريباً على التعاقدات مع القطاع العام، وقد شهدت هذه الإيرادات نمواً متسارعاً خلال العقد الماضي حتى تضاعفت لتصل إلى 11 مليار دولار في سنتها المالية الأخيرة، لكن أسهمها تراجعت بنسبة 43 % منذ انتخاب دونالد ترامب في نوفمبر.

وفي حالة مماثلة تعاني شركة ليدوس هولدنغ، التي اعتمدت على العقود الحكومية الأمريكية في توليد نحو 87 % من إجمالي إيراداتها خلال العام الماضي، من انخفاض في قيمة أسهمها بأكثر من الثلث، وحتى الحجم الكبير للشركات لم يوفر حماية كافية من القلق الناجم عن سياسات «وزارة الكفاءة الحكومية»، فمجموعة «أكسنتشر» للاستشارات، التي تمثل إيراداتها من الحكومة الأمريكية نحو 8 % فقط، وفقاً لتحليلات «ميزوهو» للأوراق المالية، خسرت نحو 14 % من قيمتها السوقية خلال الشهر الماضي فقط، لكن ليست جميع العقود الحكومية معرضة للخطر بدرجة متساوية، فالعقود التي تستهدفها إدارة الخدمات العامة بالتقليص هي ما يُعرف بعقود «أواسيس»، وهي فئة من العقود تغطي الخدمات المهنية مثل الإدارة والاستشارات، والهندسة والخدمات اللوجستية والمالية، وفي المقابل، من المرجح أن تكون الشركات التي تركز على التكنولوجيا، مثل الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، أقل تأثرًا.

ومثال بارز على ذلك شركة «بالانتير تكنولوجيز»، وهي تعمل في مجال تحليل البيانات، وكان أسسها بيتر ثيل، وهو شريك قديم لماسك، وحققت الشركة نحو 42 % من إيراداتها من العقود الحكومية العام الماضي، لكن أسهمها تضاعفت منذ نوفمبر، رغم بعض التراجعات الأخيرة.

وعادة ما تدافع شركات الاستشارات عن نفسها بالتأكيد على أن هدفها هو مساعدة عملائها على تحقيق وفورات مالية على المدى الطويل، لكن كيفية التحقق من صحة هذا الادعاء تظل موضوع نقاش مستمر منذ نشأة هذه الصناعة.

ويبدو أن الشركات التي ستتمكن من إثبات أنها تسهم فعلياً في تعزيز مبادرة الكفاءة الحكومية، التي يقودها ماسك هي التي ستتمكن من النجاة من موجة التخفيضات. وإذا بدا ذلك كونه تحدياً إدارياً يتطلب خبرة استشارية فإن هذه الشركات على الأقل تعرف تماماً إلى أين تتوجه للحصول على المشورة المناسبة - لنفسها.