كاثرين هيلي
بعد ساعات من إعلان درة التاج التايوانية «تي إس إم سي» لصناعة الرقائق وعدها باستثمار 100 مليار دولار إضافية في أمريكا، خرج الرئيس دونالد ترامب بتذكير عن السبب وراء اهتمام كثيرين في الدولة الآسيوية بالسعي وراء رضا أمريكا.
وهناك قلق متزايد في تايوان بعد أن أبدى ترامب استعداده الواضح للتخلي عن أوكرانيا وتعليق المساعدات العسكرية لكييف. ويخشى كثيرون في تايوان أن يتكرر السيناريو نفسه مع بلادهم، ما قد يتركها في مواجهة مصير مجهول في مواجهة الصين.
وتأمل تايوان في أن يسهم قطاع أشباه الموصلات الضخم لديها في أن تظل البلاد في حظوة ترامب. وتعهدت شركة «تي إس إم سي» (تايوان سيميكونداكتور مانيفكتشرينغ كومباني)، التي تنتج 90% من أكثر الرقائق العالمية تقدماً، بزيادة استثماراتها في ولاية أريزونا من 65 مليار دولار إلى 165 مليار دولار.
وقال لو تشي-تشينغ، المشرع السابق من الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان: «نحن نحتاج إلى وضع بطاقات المساومة الخاصة بنا على الطاولة»، وتابع: «الأهمية الاستراتيجية لتايوان أكبر بكثير من أوكرانيا، كما أن لنا دوراً محورياً في سلسلة توريد صناعة الرقائق العالمية».
وفي تصريحات للصحافيين قبل إعلان «تي إس إم سي» عن خططها الاستثمارية، اعترف ويلينغتون كو، وزير الدفاع التايواني، أنه «لا يمكنك فقط التحدث عن القيم وتجاهل المصالح الوطنية». وقال: «بالطبع، ترغب أمريكا أيضاً في منح الأولوية لمصالحها القومية».
وذكر أن تايوان يجب أن تسأل نفسها «هل ضمان السلام والاستقرار في المحيطين الهادئ والهندي والحفاظ على الوضع القائم في مضيق تايوان هو مصلحة أساسية للولايات المتحدة؟».
وبالنسبة لتايوان، فإن الدعم الأمريكي حيوي كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا، حيث تسعى الصين لاستعادة تايوان كجزء من أراضيها. وقد ساعدت الولايات المتحدة طوال عقود في منع إعادة ضم تايوان.
وبموجب قانون العلاقات مع تايوان، فإن واشنطن تعتبر محاولات تقرير مصير تايوان بطرق غير سلمية مسألة تثير قلقاً بالغاً في الولايات المتحدة. كما تلتزم واشنطن بمنح تايبيه أسلحة دفاعية والحفاظ على قدراتها الخاصة الرامية إلى مقاومة أي إرغام من شأنه تعريض الأمن التايواني للخطر.
ولم يظهر ترامب قدراً كبيراً من المودة الشخصية تجاه تايوان، حيث وجه اتهامات بصورة متكررة للبلاد لـ «استيلائها» على أعمال أشباه الموصلات الأمريكية واستغلال الدعم الأمني الذي تقدمه. وأفاد جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، بأن ترامب كان «يضيق ذرعاً» بتايوان، وكان يشبهها برأس القلم، والصين بمكتبه الضخم.
وكانت الإشارات الأولية من البيت الأبيض واعدة. ففي ظهور مشترك اتسم بالود، أخبر ترامب المنتصر، الرئيس التنفيذي لـ «تي إس إم سي»، سي سي وي، أن شركة تصنيع الرقاقات «متقدمة في مضمارها» لأن رقائقها المصنوعة في الولايات المتحدة ستجنبها التعريفات الجمركية التي تلوح في الأفق على أشباه الموصلات المستوردة.
وبدا ترامب أكثر سروراً، حينما كرر وي الشكر له على هذه «الفرصة»، في تناقض صارخ مع الخلاف الذي دب بين الرئيس وزيلينسكي ووبخه خلاله لعدم إظهاره الامتنان بصورة كافية.
لكن هناك تساؤلات حول مدة الاتفاق التي ستكون مرضية لواشنطن. فقد مارس مسؤولون في إدارة ترامب ضغوطاً فيما سبق على «تي إس إم سي» للمساعدة في إدارة مصانع «إنتل» التي تخلفت عن ركب التصنيع المتقدم، إلى جانب ضخ استثمارات في أسهم «إنتل»، أو تحويل عملياتها في أمريكا إلى شركة تكون للحكومة الأمريكية حصة فيها، وفقاً لأشخاص مطلعين.
ولطالما كان أمن تايوان متداخلاً مع قوتها في تصنيع الرقائق. وتؤمن حكومة تايوان وشعبها بأن الولايات المتحدة ودول ديمقراطية أخرى ستظل مهتمة بالدفاع عن البلاد إذا تعرضت لهجوم من الصين، طالما أن هذه الدول تعتمد على ما تورده تايوان من أشباه الموصلات. وقال هوانغ كوي-بو، أستاذ الدبلوماسية في جامعة تشينغتشي الوطنية في تايبيه: «ينبغي على تايوان أن تكون حذرة.
فإذا كان درع السيليكون موجوداً، ألن يجعل تصدير التكنولوجيا الأكثر تقدماً إلى الولايات المتحدة الدرع هشاً؟». وتؤكد الصفقة التي توصلت إليها واشنطن مع «تي إس إم سي» هذه المخاوف على ما يبدو. فقد أعلنت الشركة أن استثماراتها الجديدة تشمل إنشاء مركز للبحث والتطوير في ولاية أريزونا. وفيما سبق، كانت «تي إس إم سي» تصر على إبقاء البحث والتطوير محصوراً في تايوان، وهو الجانب الذي تعتبره الحكومة شديد الحيوية.
من جهته، أفاد مكتب الرئيس لاي تشينغ دي بأن الحكومة، التي يجب أن توافق على هذه الاستثمارات أولاً، ستساعد «تي إس إم سي»، لكنها ستمارس وصايتها لضمان بقاء أكثر التقنيات تقدماً في داخل البلاد.
وقد واصل ترامب تأجيج المخاوف حينما صرح بأن الاستثمارات «ستضع جزءاً كبيراً من عمليات تي إس إم سي لتصنيع الرقائق في الولايات المتحدة»، ما سيسمح للشركة بتنويع استثماراتها «في مكان شديد الأمان»، وهو ما سيكون له «تأثير كبير إذا حل خطب ما» بتايوان.
وتشير نتائج استطلاع رأي صدر الأسبوع الماضي أن 85% يرفضون قيام «تي إس إم سي» بنقل تكنولوجيا إنتاج الرقائق بمعمارية 2 نانومتر إلى الولايات المتحدة. ويعتقد أكثر من 60% من المستطلعين أن الولايات لديها اليد العليا في المفاوضات مع تايوان.
وتوجد لدى هؤلاء أسباب تدعم اعتقادهم هذا. فقد اتسع الفائض التجاري لتايوان مع الولايات المتحدة بمقدار 26.1 مليار دولار إلى 73.9 مليار دولار العام الماضي، ما يعزى جزئياً إلى طفرة صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق أمام التعريفات الجمركية «المتبادلة» التي يعتزم الرئيس الأمريكي فرضها.
وتعهد رئيس تايوان بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى زيادة الاستثمارات والمشتريات من الولايات المتحدة. ومن المقرر أن تعزز شركة «سي بي سي» النفطية المملوكة للدولة مشترياتها من السوق الفورية للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، ما سيزيد نسبة إجمالي الواردات من 9.5% إلى 25%، بحسب مصادر مطلعة.
من ناحية أخرى، يعمل مسؤولون في تايوان والولايات المتحدة على حزمة مشتريات أسلحة تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار، بما في ذلك منصات «هيمارس» لإطلاق الصواريخ وأنظمة تحكم وسيطرة واستخبارات، علاوة على معدات لتعزيز قدرات قوات الاحتياط. وتستهدف تايبيه التقدم بمشروع موازنة خاصة في وقت لاحق من العام، وهو جدول زمني قصير على غير المعتاد.
كما وعدت تايبيه بتشجيع قطاع التصنيع التكنولوجي لديها على زيادة استثماراته في الولايات المتحدة، مثل إنشاء مجمع صناعي مدعوم حكومياً على غرار المجمعات العلمية في تايوان. ويرى بعض المسؤولين الأمريكيين احتمالية ضخ الشركات التايوانية التي تعمل في تصنيع الأجزاء الدقيقة وأدوات الماكينات استثمارات في الأسهم للمساعدة في تعزيز سلسلة التوريد الدفاعية الأمريكية التي تواجه صعوبات.
وعلاوة على المحفزات الاقتصادية، تأمل تايوان في ضمان موقعها الاستراتيجي، الواقع في سلسلة جزر قبالة السواحل الصينية مع اليابان والفلبين، التزام واشنطن تجاهها. ولفت كو، وزير الدفاع، إلى أن ضمان بقاء الوضع القائم كما هو في مضيق تايوان يعد «هدفاً مشتركاً» لكل من تايبيه وواشنطن، وهي تعليقات تكرر تصريحات ترامب بشأن سعي كلا البلدين معاً إلى «السلام من خلال القوة». ومع ذلك، ما زال الحذر يساور الكثير من التايوانيين.
وتساءل الرئيس التنفيذي لواحدة من أبرز شركات التكنولوجيا التايوانية والذي فضل عدم الكشف عن هويته: «من يعلم ما سيفعله ترامب بمجرد تفاوضه مع الزعيم الصيني شي جين بينغ؟»، وأضاف: «بإمكانه أن يقول: سنمنحكم تايوان، إذا عملتم على موازنة عجزنا التجاري البالغ 259 مليار دولار».
