دروس من عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي حول التعريفات الجمركية

إيان هارنيت

يرى دونالد ترامب أن «الرسوم» هي الكلمة الأجمل في القاموس، لكن على المستثمرين ألا يشاركوه هذا الرأي، حتى لو كانت الأسهم الأمريكية سجلت ارتفاعاً منذ الصدمة التي أثارها إعلان ترامب في ما أسماه «يوم التحرير»، والذي تضمّن زيادات في الرسوم الجمركية فاقت التوقعات.

في البداية، عكس هذا الصعود توقفاً مؤقتاً في تنفيذ تلك الإجراءات، إلا أن الأسواق واصلت الارتفاع حتى بعد دخول الاتفاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين حيز التنفيذ، بما فيها من زيادات مؤكدة في الرسوم.

وقد عززت البيانات القوية بشأن الأرباح والنشاط الاقتصادي من معنويات المستثمرين الذين بدا أنهم عادوا إلى ركوب موجة الصعود، بقيادة أسهم التكنولوجيا التي تشهد انتعاشاً ملحوظاً.

ومع ذلك، هناك مسوغات قوية للتوجس، فعلى الرغم من أن الرسوم المعلنة بعد المفاوضات جاءت أقل حدة مما طُرح في «يوم التحرير»، فإنها لا تزال أعلى بكثير مقارنة بما كانت عليه قبل تولي ترامب السلطة.

وبحسب حسابات «مختبر الموازنة» في جامعة ييل، فإن متوسط المعدل الفعلي للرسوم الجمركية التي سيتحملها المستهلكون قد يبلغ 18.3% إذا تم تطبيق جميع الزيادات المعلنة حتى الأول من أغسطس وهو أعلى مستوى يتم تسجيله منذ عام 1934.

لقد أعلن ترامب عن زيادات إضافية في الرسوم، ومن الواضح أن ما يجري ليس وضعاً اعتيادياً على الإطلاق.

ومن الواضح أن معظم الاقتصاديين يتفقون على أن ارتفاع الرسوم الجمركية سيؤدي -على الأرجح- إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة وارتفاع معدلات التضخم.

وقد شهدت الأسواق تاريخياً انخفاضاً في تقييمات الأسهم عند تزامن هذه العوامل، غير أن الأثر الإجمالي على الأسهم الأمريكية سيعتمد على مدى تأثير الرسوم الجمركية في أرباح الشركات.

وحالياً، تشير توقعات الأرباح في الولايات المتحدة إلى رؤية متفائلة نسبياً في هذا الصدد، إذ تتفوق المراجعات الصعودية لتوقعات الأرباح حالياً على تخفيضاتها.

ويقدر معدل نمو الأرباح المتوقع لشركات مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» خلال الأشهر الـ12 المقبلة بنحو 11.4%، وهو أعلى من متوسط السنوات العشر الماضية البالغ 10.4%.

ويبدو أن هذا التفاؤل بشأن الأرباح يعكس ثلاثة افتراضات رئيسية، جميعها يمكن التشكيك فيها:

أولها أن الولايات المتحدة اقتصاد كبير يعتمد على الطلب المحلي.

ثانيها أن الشركات ستحمل التعريفات للمستهلكين.

وثالثها أن إدارة نيكسون عندما قامت برفع الرسوم الجمركية كان تأثيرها محدوداً نسبياً في الأرباح.

ودعونا نمعن النظر في هذه الفرضيات واحدة تلو الأخرى، فمن المؤكد أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد بدرجة كبرى على الطلب المحلي مقارنة بمتوسط دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، إذ لا تشكل الصادرات سوى 11% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، مقابل 28% في دول المنظمة.

كما أن النسبة الأمريكية أقل بكثير من مستوياتها في المملكة المتحدة (31%) وألمانيا (42%)، لكن من المهم أيضاً التذكير بأن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» لا يمثل الاقتصاد الأمريكي بمجمله، كما تشير التقديرات إلى أن نحو 41% من إيرادات الشركات المدرجة ضمن هذا المؤشر تأتي حالياً من خارج الولايات المتحدة.

وحتى إن تضرر الناتج المحلي الأمريكي بدرجة محدودة، فقد تشهد اقتصادات الدول الأخرى تباطؤاً أكبر نتيجة النظام التجاري الجديد، كما أن ترامب كان واضحاً في أنه يتوقع من الشركات «تحمل تكلفة الرسوم» بدلاً من تمريرها إلى المستهلكين.

ويميل بعض المحللين إلى تشبيه رسوم ترامب الجمركية بما حدث عام 1971 خلال عهد الرئيس نيكسون، حين لم تشهد أرباح الشركات الأمريكية أثراً سلبياً يذكر جراء تلك الرسوم، لكن ما يعرف بـ«صدمة نيكسون» آنذاك تضمن فرض رسوم نسبتها 10% فقط، كما أنها ألغيت بعد أربعة أشهر عقب التوصل إلى اتفاق دولي أنهى قابلية تحويل الدولار إلى الذهب.

إن الأخطار الجوهرية التي تواجه المستثمرين، اليوم، تتمثل في أن رسوم ترامب الجمركية قد تشبه، من حيث الحجم والطبيعة، تلك التي فرضت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، والتي كانت أكبر حجماً وأطول استمرارية من رسوم نيكسون.

وتُظهر البيانات التاريخية التي جمعها البروفيسور روبرت شيلر من جامعة ييل أن الحالتين الوحيدتين اللتين تراجعت فيهما الأرباح بالحدة نفسها خلال الأزمة المالية العالمية، كانتا في أوائل عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. وسواء أكان ذلك من قبيل المصادفة أم لا، فإنه أمر يدعو إلى القلق قطعاً.

وقد نالت تعرفة «سموت-هاولي» -التي فُرضت عام 1930 وما ينسب إليها من دور في إشعال الكساد الأمريكي- نصيباً كبيراً من التحليل والنقاش، لكن الأقل شهرة هو قانون الطوارئ الجمركي لعام 1921 (الذي رفع الرسوم على المنتجات الزراعية)، وتعرفة «فوردني-ماكمبر» لعام 1922 (التي طالت مجموعة أوسع من السلع).

ونتيجة لهذه الإجراءات، بلغ متوسط الرسوم على السلع الخاضعة للضرائب الجمركية 38%.

وعلى الرغم من صعوبة إثبات علاقة سببية مباشرة، فقد انخفضت أرباح مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 61% في عام 1921، وهبطت الأسهم الأمريكية بنسبة 44% مقارنة بذروتها في أواخر عام 1919.

وما يلفت الانتباه أيضاً في تجارب الرسوم الجمركية خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، هو الانخفاض الحاد في الصادرات العالمية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حيث تراجعت بنحو 3 نقاط مئوية في أوائل العشرينيات، وبأكثر من 5% في أوائل الثلاثينيات.

ورغم تغير هيكل الاقتصاد الأمريكي منذ ذلك الحين، لا يزال نمو التجارة العالمية مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بنمو الأرباح، لكن الأسواق اليوم لا تبدو وكأنها تسعر هذا الواقع على أساس «الوضع الاعتيادي»، بل على أساس الكمال المطلق.