لماذا توقف ترامب عن الحديث عن أسواق الأسهم؟

كاتي مارتن

التزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صمتاً ملحوظاً بشأن سوق الأسهم. ففي بداية رئاسته الأولى، كانت سوق الأسهم من المواضيع المفضلة لديه على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ذا الذي كان يمكن أن يلومه؟ فقد حقق مؤشر «إس آند بي 500» للأسهم الأمريكية ارتفاعاً بنسبة 13 % من يوم انتخابه عام 2016 حتى نهاية فبراير التالي، واختتم ذلك العام بمكاسب بلغت 20 %.

لكن الأمر مختلف هذه المرة، فقد ارتفعت الأسواق الأمريكية بنسبة أقل كثيراً، حيث لم تتجاوز 2.5 % على مدى الفترة ذاتها، بانخفاض حاد مقارنة بالمستويات المرتفعة التي شهدتها بعد الانتخابات، في حين صعدت الأسواق في أوروبا، وحتى الصين بدأت في التخلص من تصنيفها المتقطع بأنها «غير صالحة للاستثمار».

ويشير بنك «جيه بي مورغان» إلى أنه خلال فترته الرئاسية الأولى، نشر الرئيس الأمريكي تغريدات إيجابية عن أداء سوق الأسهم 156 مرة. لكن الأمور تغيرت على منصة التواصل الاجتماعي المفضلة لديه منذ عام 2024، وشاب تغيير كبير الموضوعات التي يناقشها أيضاً، فلم ينشر عن سوق الأسهم إلا مرة واحدة فقط.

وكتب المصرف: «في فترته الرئاسية الأولى، نشر الرئيس ترامب باستمرار عن التطورات الاقتصادية الأمريكية الإيجابية بصفة عامة، فكتب عشرات التغريدات عن انخفاض البطالة، أو ارتفاع أسواق الأسهم، أو إنشاء مصنع جديد في ولاية ما على سبيل المثال». وتابع: «لقد اختفى هذا الجانب، حيث إن غالبية منشوراته الأحدث بشأن الاقتصاد الأمريكي تتعلق بسقف الدين، أو الإنفاق الحكومي وجدواه، أو منافع التعريفات الجمركية».

ومن الواضح أن الرئيس في فترته الرئاسية الثانية لديه الوقت لزيادة عدد منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، بما أنه قضى في المكتب ما يزيد على الشهر. لكن التناقض مع بداية فترته الأولى مثير للاهتمام. ويعكس هذا نمطاً واضحاً على نحو متزايد، مفاده أن الكثير مما يطلق عليها تداولات ترامب قد تلاشت تقريباً في الوقت الراهن. فقد ساءت المعنويات في الأسواق على مدى الأسبوع الماضي أو نحو ذلك، كما تدهورت السرديات المهمة في الأسواق. ولا يجب أن تكون القوة الغامضة للسوق، المتمثلة في المشاعر والمعنويات والسرديات، بهذه الأهمية، لكنها تبقى مهمة بوضوح.

وقبل بضعة أسابيع، كان ينظر إلى الرسوم على الواردات التي يحبها ترامب على أنها تضخمية، وأنها مصدر هامشي لنمو التصنيع المحلي. أما الآن، فقد هيمنت سردية جديدة على الأوضاع، مفادها أن التعريفات الجمركية من المرجح أن تضر بالاقتصاد وأن بعضاً من العوامل التضخمية المبكرة تعود إلى تبكير المستوردين الأمريكيين لمشترياتهم لتفادي الزيادات المؤلمة في الأسعار. وكان ينظر إلى جهود خفض الإنفاق الفيدرالي على أنها جرعة إيجابية للوصول إلى الانضباط المالي، لكن يبدو حالياً أنها تخاطر بسحب بساط الزخم من تحت أقدام الاقتصاد.

ولا تسهم البيانات الأمريكية قصيرة الأجل في تحسين المعنويات. فقد سجلت مبيعات التجزئة أخيراً أكبر تراجع منذ قرابة العامين. وانخفضت ثقة المستهلكين بأكبر وتيرة منذ أربعة أعوام. ولن يكون إلقاء اللوم في هذا على الطقس البارد للشتاء كافياً.

يظهر مؤشر «سيتي» للمفاجآت الاقتصادية أن البيانات الأمريكية ما زالت مخيبة لتوقعات وول ستريت، بينما تواصل البيانات الأوروبية مشوار تفوقها على التقديرات. لكن الأمر ليس كله بهذا السوء في الولايات المتحدة. فحسب إشارة تورستن سلوك، كبير خبراء الاقتصاد لدى «أبوللو» هذا الأسبوع: «ما زلنا متفائلين بالتوقعات الاقتصادية، لكننا نراقب البيانات الواردة بحذر شديد، بحثاً عن إشارات حول ما إذا كانت هذه نقطة تحول لدورة الأعمال».

وتحيق المشكلات بكل وضوح بأكثر التداولات شعبية وهي تلك التي كانت تركز على الرئيس الجديد. وفي هذا الشأن، علق جيمي تشانغ، كبير مسؤولي الاستثمار لدى «روكفيلر غلوبال فاميلي أوفيس» قائلاً: «أنت بصدد مشاهدة تفكك تداولات ترامب»، وأضاف: «تمثل رد الفعل الأولي بعد الانتخابات في أن ترامب يعني أمريكا أولاً، ويقصد بذلك ارتفاع النمو، وصعود التضخم، وتزايد أسعار الفائدة، ودولار أمريكي أكثر قوة»، لكن هذه القناعات تتهاوى في الوقت الراهن. ومن باب الاحتياط، بإمكاننا إضافة «بيتكوين» إلى هذه القائمة. فقد هوت العملة بنسبة 26 % من قمتها التي سجلتها في شهر يناير الماضي. وانخفضت الأسهم بنسبة كبيرة قدرها 4.5 % من أعلى مستوى سجلته هذا الشهر، وهو التراجع الذي يأتي من قاعدة مرتفعة. لكن التناقض مع الانتعاش نادر الحدوث في الأسواق الأوروبية مثير للتأمل.

وذكر جيم كارون، كبير مسؤولي الاستثمار لدى «مورغان ستانلي»، أنه كان يدعو إلى زيادة المخصصات إلى أوروبا منذ بداية العام، على الرغم من أنه كان «يسخر» منه في أوروبا بادعاء أنه «أمريكي متفائل». واستطرد: «ما أجده في هذه التداولات هو أن أناسا كثراً لا يفضلونها»، وهي إشارة مهذبة إلى عدم دخول الكثير من المشترين إلى السوق بعد.

وفي الولايات المتحدة، نجد أن «تسلا» تأتي بين أكبر الشركات المدرجة الخاسرة. وتنخفض مبيعات «تسلا» على نحو سريع، خصوصاً في أوروبا. وقد يعود هذا جزئياً إلى ازدياد المنافسة، ويمكن أيضاً بسبب ردود الفعل السلبية من جانب المستهلكين إزاء خفض ماسك الشديد للإنفاق من جانب الحكومة الأمريكية وتدخلاته السياسية المثيرة للقلق. لذلك، هوت أسهم «تسلا» بنسبة هائلة قدرها 40 % منذ أواسط شهر ديسمبر الماضي. ومع ذلك، واحدة فقط من تداولات ترامب ما زالت تمضي قدماً وبصورة جيدة، وهي الروبل، فقد ارتفعت العملة الروسية بحوالي 30 % هذا العام مقابل الدولار ولا توجد إشارات كثيرة على تراجعها.

وبالنسبة للأسواق الأمريكية، يبدو أن المستثمرين يقومون بحيلتهم المفضلة، وهي النظر في المعلومات ذاتها التي توفرت لديهم سابقاً والخروج باستنتاجات مختلفة كلياً. ويتبدى من ذلك إذن أن المعنويات متقلبة. لكن يبدو الأمر كما لو أن تداولات ترامب سلكت طريقها إلى الأفول، وقد يجد الرئيس صعوبة في دفع هذه التداولات إلى الارتفاع من جديد.