ديلفين شتراوس - كلير جونز - ستيف شافيز
تعاني العمالة الأمريكية ذات الدخول المنخفضة من أحد أشد معدلات تباطؤ نمو الأجور، مقارنةً بنظرائهم من ذوي الدخول المرتفعة، وهو ما يُفاقم الضغوط المرتبطة باتساع فجوة انعدام المساواة، ويضيف عبئاً جديداً على إدارة دونالد ترامب، في ظلّ تشكيكه المتزايد في موثوقية البيانات الاقتصادية الأمريكية.
وأظهرت بيانات صادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، أن نمو الأجور للفئة الأقل دخلاً — أي من يتقاضون أقل من نحو 806 دولارات أسبوعياً — تباطأ إلى معدل سنوي بلغ 3.7 % في يونيو الماضي، بعدما كان قد بلغ ذروته عند 7.5 %، أواخر عام 2022، حين كانت قطاعات مثل الضيافة تعاني من نقص حاد في العمالة.
وبينما شهد أصحاب الدخول المرتفعة أيضاً تباطؤاً في نمو الأجور، إلا أن التراجع كان أقل حدّة، إذ ارتفعت أجور حصة الـ 25 % الأعلى من العاملين بنسبة 4.7 %، خلال العام المنتهي في يونيو، في حين بلغ متوسط نمو الأجور على مستوى سوق العمل عموماً نحو 4.3%.
وتشير البيانات إلى أن العاملين ضمن أعلى فئة دخل يتقاضون ما يقارب 1,887 دولاراً أسبوعياً.
تأتي هذه البيانات، بعدما قرر الرئيس الأمريكي إقالة مفوضة مكتب إحصاءات العمل، يوم الجمعة الماضي، بعد سويعات من هذا التقرير السلبي للوظائف. وتسببت خطوة التدخل غير المسبوقة هذه، في موجة استنكار في صفوف خبراء الاقتصاد.
ويُصدِر مكتب العمل تقارير عن حالة سوق العمل والتضخم، وتؤثّر بدورها في تسعير أصول عالمية، تُقدّر قيمتها بتريليونات الدولارات.
وعلّق ويليام بيتش، المُفوّض السابق لمكتب إحصاءات العمل في الإدارة الأولى لترامب، في حديثه لشبكة «سي إن إن»، بأن إقالة المفوضة «يضر حقاً بالنظام الإحصائي». وتابع: «إن هذا يُقوّض مصداقية مكتب إحصاءات العمل».
وتأتي آخر البيانات الصادرة، بمثابة انعكاس قوي للاتجاهات التي سادت مؤخراً، وتهدد بمفاقمة تداعيات حرب التعريفات الجمركية التي يشنها الرئيس الأمريكي، وخفض الإنفاق الحكومي الذي يستهدف الأسر الفقيرة.
وطوال العِقد الماضي، نمت أجور الأقل دخلاً بأسرع وتيرة، بما في ذلك في أثناء فترة ترامب الرئاسية الأولى. وتسارعت هذه الوتيرة بعد جائحة فيروس «كورونا»، مع مواجهة أرباب الأعمال في القطاعات منخفضة الأجور صعوبة في العثور على العمالة.
ويظهر نمط شبيه بذلك في الأجور المُعلنة، حيث تُعد الرواتب المعروضة لوظائف مثل القانون، والتسويق، والهندسة، هي الأكثر ارتفاعاً على مدى العام الماضي، بحسب إعلانات الوظائف التي يتتبعها موقع «إنديد» للوظائف.
وفي الوقت ذاته، تخلّفت عن ركب الارتفاع، الأجور في الوظائف ذات الرواتب المنخفضة، مثل قيادة السيارات، واللوجستيات.
ويرى خبراء اقتصاد، أن الأجور كثيراً ما تكون أكثر تقلباً بالنسبة للعاملين في وظائف منخفضة الأجور، وهم الذين يميلون إلى أن يكونوا ذوي قوة تفاوضية أقل، حينما تعاني سوق العمل من الضعف.
وكشفت البيانات الصادرة عن فيدرالي أتلانتا، أن العاملين ذوي الأجور الأقل، شهدوا أسرع زيادات في الأجور خلال الفترة الأولى لترامب رئيساً للبلاد، حينما شهد التوظيف نمواً قوياً.
وأظهرت البيانات الصادرة يوم الجمعة الماضي، أن تباطؤ وتيرة التوظيف على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، كان أكثر حدة مما كان يُتصوّر سابقاً، لا سيما في القطاعات الأضعف أجوراً، مثل تجارة التجزئة والترفيه.
وفي تعليق لشبكة «سي بي إس»، أوضح بريان موينيهان الرئيس التنفيذي لدى «بنك أوف أمريكا»، أن تباطؤ نشاط الأعمال، إنما كان نتيجة لحالة عدم اليقين.
وفي حين تتمتع الشركات بيقين أكبر، بشأن ما ستصير إليه الأمور على صعيد الضرائب والسياسة التجارية، إلا أنها «تتطلع للوضوح بشأن تخفيف القيود التنظيمية والهجرة. وتشي المؤشرات الصادرة عن الشركات، بأنها تعتمد توجهات أكثر حذراً، وأنها تتوق للمزيد من الإجابات».
وشدد موينيهان أيضاً على حاجة الحكومة لتحسين عملية جمع البيانات، تفادياً لإجراء مراجعات كبيرة، من شأنها التسبب في تراجع الثقة. وأسهب: «نراقب ما يفعله المستهلكون حقاً، ونراقب ما تفعله الشركات كذلك».
ويعني الاتجاه الحالي لنمو الأجور، أن العمالة الأقل أجراً صارت أكثر ترجيحاً أن تجد نفسها من بين نسبة 40 % من العمالة الأمريكية التي لا تتواكب أجورها مع مسار التضخم، على الرغم من استمرار ارتفاع متوسط الأجور بوتيرة أسرع من الأسعار، بحسب كوري ستايل، الخبير الاقتصادي لدى «إنديد»، والذي أضاف: «ربما يكون الأشخاص الموجودون في أسفل سلم الوظائف، هم الأكثر تضرراً من حيث القوة الشرائية».
وتعتقد دايان سوونك، الخبيرة الاقتصادية لدى «كيه بي إم جي»، أن العاملين بقطاع الخدمات الذين يعتمدون على الإكراميات، هم الأكثر عُرضة للتأثّر بالتباطؤ الذي يعتري قطاعي السياحة والاستهلاك على وجه الخصوص.
وحذر خبراء اقتصاد من أن العديد من السياسات الأساسية التي تتبعها إدارة ترامب، بما في ذلك التعريفات الجمركية على الواردات، ستكون أكثر إضراراً بالأسر الأكثر فقراً.
وتشير تقديرات مختبر جامعة «ييل» للموازنة، إلى أن التعريفات الجمركية ستقلل من الدخل المتاح للعُشر الأكثر فقراً من الأسر، بما لا يقل عن 3% على المدى القصير، فيما توقع أن تتأثر الأجور المتاحة للفئة الواقعة في أغنى 10 % بواقع 1 % فقط.
وذهب تحليل أجراه مكتب الموازنة في الكونغرس، إلى أن تشريع ترامب بشأن الضرائب والإنفاق، المُلقّب بـ «القانون الكبير والجميل»، سيقلل من الموارد المتاحة لنسبة الـ 10 % الأدنى أجراً من أصحاب الدخول، بمقدار 1,600 دولار سنوياً.
وتوصّل التحليل أيضاً إلى أن القانون سيعزز أجور نسبة 10 % الأكثر ثراء بمقدار 12,000 سنوياً، بما أن القانون يمدد التخفيضات الضريبية المُعلنة في الفترة الرئاسية الأولى لترامب، فيما يقلل من الوصول إلى برنامج «ميديكيد» وقسائم المعونة الغذائية.
ومع ذلك، فإن القانون يسمح بالحصول على استقطاعات ضريبية للعمالة في وظائف يحصلون فيها على الإكراميات، أو الذين يعملون بانتظام لساعات إضافية، وهو عادة ما يحدث بصورة أكثر انتظاماً في الوظائف منخفضة الأجور.
وتعتقد الإدارة الأمريكية أيضاً أن سياساتها التجارية، ستعيد وظائف التصنيع من جديد إلى الولايات المتحدة، بينما سيسهم تخفيف القيود التنظيمية عن سوق الطاقة في خفض تكاليف الغاز والوقود.
وذكر كوش ديساي، الناطق بلسان البيت الأبيض: «في فترته الأولى، استخدم الرئيس ترامب أجندة اقتصادية تضع الولايات المتحدة أولاً، من أجل تحقيق رخاء تاريخي للطبقة العاملة، ولتحقيق أول خفض في انعدام المساواة في الثروات والدخول منذ عقود».
وأضاف: «في فترته الحالية، ينفذ الرئيس ترامب المزيج السياسي ذاته، المتمثل في تخفيف القيود التنظيمية والتجارة الأكثر عدلاً، وتخفيضات ضريبية مشجّعة للنمو، لكن على نطاق أكبر، مع دخول هذه السياسات حيز التنفيذ، لكن الأفضل لم يأتِ بعد».