الكسندرا وايت
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً بإلغاء ترخيص شركة شيفرون الخاص بالعمل في فنزويلا قبل أيام، في محاولة لإقناع رئيس البلاد بإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة. وهو قرار قد يوجه ضربة مدمرة لصناعة النفط الفنزويلية.
ووفقاً لمحللين، شركة شيفرون مورد حيوي للمادة المخففة، التي تستخدمها شركات النفط لتخفيف الخام الثقيل الذي يتم استخراجه في فنزويلا. وفي هذا السياق، قال شراينر باركر، المحلل لدى شركة «ريستاد إنرجي»: «فقدان المادة المخففة التي توفرها شيفرون يمثل مشكلة كبيرة، إنها بمثابة شريان حياة لعمليات الإنتاج».
في الوقت نفسه، كشف مالكولم مور وتوم ويلسون، الزميلان في «إنرجي سورس»، أن شركة «بي بي» قررت التخلي عن هدف خفض إنتاج الوقود الأحفوري وتطوير مشاريع طاقة متجددة، كما أعلن العملاق البريطاني زيادة الإنفاق على النفط والغاز بنسبة 20 % إلى 10 مليارات دولار سنوياً، في خطوة تعكس استجابتها لضغوط المستثمر الناشط «إليوت مانجمنت» بعد استحواذه على نحو 5 % من أسهم الشركة.
واستخدام الرئيس ترامب هذا الغاز المبرد بدرجة فائقة كورقة مساومة، محذراً الاتحاد الأوروبي من ضرورة الالتزام بشراء كميات «كبيرة» من النفط والغاز الأمريكي، وإلا فسيواجه رسوماً جمركية. وهدد ترامب بفرض رسوم بنسبة 25 % على الواردات الأوروبية الأربعاء الماضي بالفعل وتواجه صناعة الغاز الطبيعي المسال الأمريكية تحديات قد تؤدي إلى تأخير تنفيذ المشاريع المقترحة.
ونجح الرئيس ترامب في إثارة موجة من الحماس بشأن صادرات الغاز الطبيعي المسال، بعد إلغاء قرار لإدارة سلفه جو بايدن السابقة بالتجميد المؤقت للتصدير، وممارسة ضغوط على قادة دول مثل اليابان والهند وأوروبا لشراء المزيد من الوقود الأمريكي فائق التبريد.
إلا أن الشركات والمستثمرين الداعمين لأكثر من اثني عشر مشروعاً مقترحاً لإنشاء محطات جديدة للغاز الطبيعي المسال في أمريكا الشمالية ما زالوا يواجهون عقبات مالية وقانونية يمكن أن تبطئ وتيرة تنفيذ خطة البيت الأبيض الطموحة «لإطلاق العنان لهيمنة الطاقة الأمريكية».
وشهد الشهر الماضي موافقة وزارة الطاقة الأمريكية على مشروع «كومنولث للغاز الطبيعي المسال»، وهو أول مشروع تصديري رئيسي يحصل على الضوء الأخضر منذ أن فرض الرئيس السابق جو بايدن تجميداً على تراخيص تصدير الغاز إلى الدول غير الموقعة على اتفاقيات التجارة الحرة العام الماضي.
المشروع، الذي تدعمه شركة الاستثمار «كيميريدج» المختصة في قطاع الطاقة، وسيقام في مقاطعة كاميرون بولاية لويزيانا، وذلك بمجرد نجاح الشركة في توقيع عقود كافية مع العملاء تمكنها من تأمين التمويل المقدر بنحو 4.8 مليارات دولار اللازم لبناء المحطة.
وقال بن ديل، الشريك الإداري في شركة كيميريدج، في مقابلة مع نشرة «إنرجي سورس»: «لقد ظللنا في قائمة الانتظار لأكثر من عامين، وهو أمر نعتقد أنه كان غير مبرر، لذلك نحن سعداء بالطبع برؤية الإدارة الجديدة تتدخل وتتخذ إجراءات سريعة... هدفنا الآن هو اتخاذ قرار الاستثمار النهائي في أوائل شهر سبتمبر المقبل».
وأوضح ديل أن إدارة ترامب نجحت في خلق «زخم إيجابي ومشجع للاستثمار في البنية التحتية وقطاع الطاقة»، لكنه أشار إلى أن ليس جميع مشاريع الغاز الطبيعي المسال التي تم الإعلان عنها في الولايات المتحدة ستصل إلى مرحلة التنفيذ.
وأضاف: «من إجمالي المشاريع المعلن عنها، يمكن أن نتوقع أن ما يتراوح بين 50 إلى 70 % منها ستمضي قدماً نحو التنفيذ، ويعتمد ذلك على المناخ الاستثماري السائد وعلى التقييم الزمني للمشروع». وأردف: «جزء من هذا التقدير يرتبط بظروف السوق المتغيرة التي تتبدل مع مرور الوقت».
ويحذر المحللون من أن انخفاض الأسعار بسبب تخمة محتملة في المعروض، إضافة إلى التحديات القانونية ونقص البنية التحتية المناسبة، قد تبطئ من وتيرة توسع صناعة الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن أمريكا هي أكبر منتج عالمي للغاز الطبيعي المسال، إلا أنها تواجه منافسة قوية من قطر، حيث يمكن لشركات الطاقة الحكومية هناك زيادة الإنتاج بسرعة أكبر. وحذر ماثيو أوتينغ، المحلل في «ريستاد إنرجي»، من أن الموافقة على جميع مشاريع الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة قد تؤدي إلى تخمة في الإمدادات العالمية.
وأضاف: «إذا زاد المعروض بشكل كبير، ستنخفض الأسعار، مما قد يقلل من أرباح الشركات المطورة للغاز الطبيعي المسال ويجعل تمويل المشاريع الجديدة أكثر تعقيداً». وترى «ريستاد إنرجي» أن خطر تخمة المعروض قد يصبح أكثر وضوحاً بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي، بينما تتوقع «جي بي مورغان» أن يؤدي توسع الإنتاج في قطر وأمريكا الشمالية إلى تراجع الأسعار على المدى الطويل.
ووفقاً لتقديرات البنك الاستثماري «وول ستريت»، فإن الولايات المتحدة قد تستحوذ على أكثر من ثلث الإمدادات العالمية بحلول عام 2030، وهو إنجاز لافت بالنظر إلى أن البلاد بدأت تصدير الغاز الطبيعي المسال لأول مرة عام 2016.
وقالت شيكا شاتورفيدي، رئيسة استراتيجية الغاز الطبيعي والغازات السائلة العالمية في «جي بي مورغان»: «نتوقع مساراً تنازلياً لأسعار الغاز الطبيعي المسال على المستوى العالمي مع زيادة في التقلبات السعرية، وذلك بسبب وجود فائض هيكلي في المعروض بالسوق». وقد تدفع الأسعار المنخفضة المنتجين إلى إعادة النظر في خططهم والعزوف عن تنفيذ مشاريع جديدة، في ظل الارتفاع المتزايد في حجم رؤوس الأموال المطلوبة لهذه المشاريع.
وعلق يوجين كيم، مدير الأبحاث في «وود ماكنزي»، قائلاً: «إقناع شركات الغاز الأمريكية بالاستثمار بات أكثر تعقيداً، حيث أصبحوا بحاجة إلى تحقيق عوائد مالية أعلى لتبرير إنفاقهم على هذه المشاريع». علاوة على ذلك، قد يواجه بعض مطوري المشاريع عقبات قانونية وتحديات متنوعة أخرى من شأنها أن تبطئ وتيرة توسع القدرات الأمريكية في مجال تسييل الغاز الطبيعي.
ويرى لوران روسيكاس، المدير التنفيذي للأبحاث في «إس آند بي جلوبال كوموديتي إنسايتس»، أن مشاريع الغاز الطبيعي المسال ستظل تواجه عقبات قانونية وتحديات في تأمين عقود البيع طويلة الأجل، إذ يسعى المشترون إلى تنويع مصادرهم، بينما تتزايد المشاريع المنافسة عالمياً.
ويؤكد العاملون في القطاع أن وجود لوائح تنظيمية مستقرة أمر ضروري، كي لا تكون التصاريح عرضة للتغيير مع كل إدارة جديدة. وأضاف روسيكاس: «حتى المشاريع التي حصلت على القرار الاستثماري النهائي قد تواجه طعوناً قانونية من جماعات بيئية، مما قد يؤدي إلى تأخير تنفيذها».
ورغم هذه العوائق، يظل الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال قوياً، حيث تتوقع «شل» ارتفاعه بنحو 60 % بحلول عام 2040، مدفوعاً بشكل أساسي بالنمو الاقتصادي في آسيا.
لكن توقيع العقود في الولايات المتحدة شهد تباطؤاً ملحوظاً بعد قرار إدارة بايدن بتجميد تصاريح تصدير الغاز إلى الدول غير الموقعة على اتفاقيات التجارة الحرة، حيث تم منح تصريح واحد فقط خلال عام 2024.
وأشارت «شل» في أحدث تقرير لها إلى أن وتيرة توقيع العقود الأمريكية تراجعت بعد مستوياتها القياسية خلال 2021 - 2023، محذرة من أن النمو المستقبلي في القطاع يواجه «مخاطر» تشمل عدم الاستقرار التنظيمي وارتفاع تكاليف إنشاء المشاريع.
وتمثل الولايات المتحدة عنصراً محورياً في منظومة توفير إمدادات كافية من الغاز الطبيعي المسال للسوق العالمية، وعلى الرغم من امتلاكها لإمدادات وفيرة، إلا أنها تواجه تحديات في آليات التسليم والتوزيع. وقال كيم: «لا تعاني الولايات المتحدة من مشكلة في توفر الإمدادات، بل تواجه تحدياً حقيقياً في قدرتها على توصيل هذه الإمدادات».
وقد تؤدي قيود البنية التحتية، خصوصاً في خطوط الأنابيب وسعة التخزين، إلى إبطاء وتيرة التوسع، إذ أصبحت مشاريع خطوط الأنابيب العابرة للولايات تواجه معارضة متزايدة من قبل حكومات الولايات والرأي العام.
وأكد تشارلي ريدل، رئيس «مركز الغاز الطبيعي المسال»، أن شبكة خطوط الأنابيب العابرة للولايات في الولايات المتحدة قوية وتعمل بكفاءة، لكنه أشار إلى أن هناك حاجة لتوسعتها لمواكبة ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي.
ويؤكد المحللون أن تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية ليست وسيلة فعالة لدفع الشركات الخاصة إلى توقيع عقود طويلة الأجل، الضرورية لتمويل محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة، بل قد تزيد من حالة عدم اليقين وتعرقل نمو القطاع.
وكتب بن كاهيل، مدير أسواق الطاقة والسياسات في «مركز تحليل الطاقة والبيئة»، في مقال بصحيفة «بارونز»: «يريد العديد من قادة الدول تقديم مكاسب سياسية لترامب لثنيه عن تهديداته التجارية، لكن عقود الغاز الطبيعي المسال لا تبرم بهذه الطريقة.
الشركات هي التي توقع العقود، وليس الحكومات، وهذه الشركات لا تتخذ قرارات بالالتزام بعقود طويلة الأجل تمتد من 15 إلى 20 عاماً دون دراسة معمقة». وأشار بن ديل، الشريك الإداري في شركة «كيميريدج»، إلى أن الشركة لا تزال في مرحلة دراسة وتقييم التأثير المحتمل الذي قد تحدثه التعريفات الجمركية المقترحة على مشروع كومنولث للغاز الطبيعي المسال الذي تستثمر فيه الشركة.
