الصين تسعى لتقليل الاعتماد على الخارج في صناعة الآلات فائقة التطور

وليام ساندلوند

تواجه الصين عقبات كبيرة في مجال تطوير الآلات الصناعية فائقة التطور، على الرغم من نجاحها الباهر في مجالات تكنولوجية حيوية أخرى مثل الذكاء الاصطناعي ومصادر الطاقة المتجددة وأشباه الموصلات والسيارات الكهربائية.

ولا تزال الصين تعتمد بشكل كبير على الشركات اليابانية والأوروبية والأمريكية في توريد آلات التصنيع فائقة التطور المستخدمة في إنتاج مكونات دقيقة، مثل محركات الطائرات النفاثة ولوحات الدوائر الإلكترونية.

ووصف شياو فينغ، محلل القطاعات الصناعية في شركة «سي إل إس إيه»، ذلك بأنه «التحدي الأخير والأصعب أمام قطاع التصنيع الصيني».

وتواجه الصين تحدياً رئيساً في تطوير معدات التصنيع والبرمجيات اللازمة لتشغيل آلات التحكم الرقمي الحاسوبي عالية الدقة، وهو مجال تهيمن عليه منذ عقود شركتا «سيمنس» الألمانية و«فانوك» اليابانية.

وأطلقت بكين في سنة 2015 خطة لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية في هذا المجال بحلول سنة 2025، ولكن تفوق الشركات الأجنبية وتغير أولويات الحكومة الصينية أبطآ تحقيق هذا الهدف.

وقال مورتن بولسن، رئيس البحوث اليابانية في «سي إل إس إيه»: «يبدو أن الحكومة الصينية بدأت تصرف اهتمامها عن قطاع آلات التصنيع وتوجه تركيزها نحو تكنولوجيا الروبوتات».

وتمنح سيطرة «سيمنس» و«فانوك» على أنظمة التشغيل ميزة تجعل أي منافس جديد يواجه صعوبة كبيرة.

كما أن التنوع الكبير في تطبيقات آلات التصنيع يتطلب فهماً عميقاً لمجالات متعددة، من الأجهزة الطبية المعقدة إلى المكونات الإلكترونية الدقيقة وصناعات الطيران المتطورة.

ويقول أحد العاملين في شركة صينية للتصنيع - طلب عدم الكشف عن هويته - إن «سيمنس وفانوك لا تزالان تتمتعان بمكانة تجارية أفضل بكثير»، موضحاً أن شركته تفضل الاعتماد على هذه الماركات العالمية بدلاً من الأنظمة الصينية المحلية.

وقال رينود أنجوران، الرئيس التنفيذي لشركة «سوفيست»: «نظراً لارتفاع أسعار آلات التصنيع، يتوخى المصنعون حذراً شديداً عند التعامل مع علامات تجارية غير معروفة أو غير مجربة».

وأضاف: «نحن لا نتحدث عن منتج استهلاكي يمكن استبداله بسهولة، وإنما عن معدات حيوية قد يؤدي أي خلل فيها إلى تعطيل كامل لخطوط الإنتاج».

وبدأت بكين جهودها لدعم صناعة آلات التصنيع بالتحكم الرقمي الحاسوبي في وقت مبكر يعود إلى سنة 2007، حينما أُدرج هذا القطاع ضمن الخطة الاقتصادية الخمسية الحادية عشرة للحكومة الصينية.

ويقول روبرت تام، كبير الباحثين في مركز جامعة هونغ كونغ بوليتكنيك الصناعي: «أدت الخطة الخمسية الحادية عشرة إلى طفرة في عدد مصنعي أنظمة التحكم الرقمي الحاسوبي»، ولكن بعد ازدياد عدد الشركات في هذا القطاع، أغلق العديد منها أبوابه بسبب احتدام المنافسة. كما تراجع الدعم الحكومي المحلي في السنوات الأخيرة نتيجة انخفاض الإيرادات الناجم عن أزمة قطاع العقارات في الصين.

في سنة 2017، أعلنت شركة «داليان للآلات»، إحدى أقدم الشركات الصينية العاملة في هذا المجال والتي يعود تاريخها إلى فترة تأسيس جمهورية الصين الشعبية إفلاسها.

وتلا ذلك بعامين فقط في سنة 2019، انهيار شركة «شنيانغ للآلات»، وهي شركة أخرى عريقة، بعد استراتيجية توسع طموحة مولتها باستدانة مفرطة. وتم الاستحواذ على كلتا الشركتين لاحقاً من قبل مجموعة «جينيرتيك» المملوكة للدولة، التي تولت الإشراف على إعادة هيكلة يصفها المحللون بأنها كانت مملوءة بالتحديات.

ومع تراجع الدعم الحكومي وتباطؤ النشاط الصناعي، بدأت الشركات الأجنبية تعزيز سيطرتها على السوق الصينية، وفقاً لمينغ لي، رئيس قطاع الصناعات الكبرى في الصين لدى بنك أوف أمريكا. وتكشف البيانات عن أن الشركات الأجنبية المصنعة للآلات تستحوذ على نحو ثلثي السوق الصينية، فتحتل «فانوك» و«ميتسوبيشي» و«سيمنس» المراتب الأولى بحصص سوقية تبلغ 33 % و20 % و16 % على التوالي.

ولمواجهة هيمنة المنافسين، ركزت الشركات الصينية على الشريحة الأدنى من السوق، مستفيدة من الميزة السعرية. ويقول مينغ لي: «استراتيجيتهم لاكتساب الحصة السوقية كانت تعتمد على خفض الأسعار باستمرار».

وأدت هذه السياسة إلى تراجع حاد لربح القطاع. ووفقاً لجمعية مصنعي الآلات المتقدمة الصينية، انخفضت إيرادات القطاع 5.2 % في 2024 إلى تريليون يوان (138 مليار دولار)، بينما تراجعت الأرباح بنسبة 76.6 % إلى 26.5 مليار يوان. وأرجع التقرير هذا التراجع إلى المنافسة الشرسة التي قلّصت هوامش الربح بشكل كبير.