رسوم ترامب الجمركية تحكمها أهداف سياسية صارخة

يصور دونالد ترامب الرسوم الجمركية التي فرضها على عشرات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة على أنها وسيلة لإعادة التوازن إلى نظام تجاري عالمي يرى أنه منحاز ضد أمريكا.

لكن اللافت للنظر هو كيف أن بعض أقسى الإجراءات الجديدة يعكس أهدافاً سياسية صارخة تُشكّلها الأهواء الرئاسية.

ولنأخذ كندا، الحليف الرئيس، على سبيل المثال، حيث تم رفع معدل الرسوم الجمركية إلى 35%، حتى لو خفف استثناء للسلع بموجب اتفاقية التجارة الأمريكية المكسيكية الكندية (USMCA) من وطأة هذا التأثير.

وقد ألقى البيت الأبيض باللوم على كندا لفشلها في التعاون في الحد من «تدفق الفنتانيل وغيره من المخدرات غير المشروعة» - على الرغم من عدم وجود مثل هذا التدفق - والرد على الرسوم الجمركية السابقة.

لكن ترامب أشار إلى خطط كندا للاعتراف بدولة فلسطينية تجعل من «الصعب للغاية» التوصل إلى اتفاق تجاري.

ثم هناك الهند، التي فُرضت عليها رسوم جمركية بنسبة 25%، رغم أن المسؤولين الهنود كانوا قد أعربوا عن تفاؤلهم بالتوصل إلى اتفاق.

لكن الرئيس الأمريكي انتقد الحواجز التجارية الهندية، وهدد أيضاً بعقوبة إضافية، كما وبخ حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لـ«شرائها النفط والأسلحة الروسية».

ويبدو أيضاً أن موقف ترامب يعكس كراهيته لعضوية الهند في مجموعة البريكس، وما يؤكد ذلك أن جنوب إفريقيا، وهي عضو آخر في مجموعة البريكس، قد فُرضت عليها رسوم جمركية باهظة بنسبة 30%.

كما أن حكومتها دخلت في جدال مع البيت الأبيض بشأن مزاعم كاذبة عن «إبادة جماعية للبيض» وهي نقطة خلاف رئيسة بين القاعدة المؤيدة لترامب.

لكن ليس هناك مثال لهذه المعاملة السياسية الصريحة أكثر وضوحاً مما حدث مع البرازيل، والتي فُرضت عليها أعلى رسوم جمركية رئيسة، بنسبة 50%، إضافة إلى إجراءات عقابية أخرى، على الرغم من أن الولايات المتحدة تحقق فائضاً تجارياً مع البرازيل.

لقد ربط ترامب صراحةً الرسوم الجمركية بقضية المحكمة العليا البرازيلية ضد حليفه، الرئيس السابق اليميني المتطرف جايير بولسونارو، بتهمة التخطيط لانقلاب بعد خسارته في انتخابات إعادة انتخابه أمام لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في عام 2022، والتي تشبه بشكل واضح محاولات الرئيس الأمريكي نفسه لإلغاء نتيجة الانتخابات الأمريكية عام 2020.

وحتى قبل صدور أي حكم قضائي، وصف ترامب المحاكمة بأنها «حملة شعواء».

وقد حظرت إدارته دخول ثمانية من كبار القضاة البرازيليين إلى الولايات المتحدة بزعم إنشائهم «مجمعاً للاضطهاد والرقابة».

وزادت واشنطن الضغط الأسبوع الماضي بفرض عقوبات مالية على ألكسندر دي مورايس، القاضي المشرف على محاكمة بولسونارو، بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي - الذي يُفترض أنه مخصص لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

كما أثارت المحكمة العليا في البرازيل غضب ترامب بتحوّلها إلى مرجع عالمي في تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، مُجبرةً المنصات على إزالة المحتوى الذي يُعد خطاب كراهية أو مُناهضاً للديمقراطية أو مُحرّضاً على العنف.

وبينما تبدو بعض أوامر الإزالة المُحددة التي أصدرتها المحكمة مُبالغاً فيها، إلا أنها لا تُناسب وصف ترامب بـ«إجبار الشركات الأمريكية بشكل استبدادي وتعسفي على فرض رقابة على الخطاب السياسي».

إن استخدام التدابير التجارية لأغراض سياسية ضد دولة ديمقراطية مثل البرازيل أمرٌ مؤسفٌ للغاية، فبصفتها أحد أكثر اقتصادات العالم انغلاقاً، ستستفيد من فتح أسواقها الكبيرة للسلع والخدمات وتعريض اللاعبين الوطنيين المُدللين للمنافسة.

ومع ذلك، بربط التعريفات الجمركية بمحاكمة بولسونارو، فإن الرئيس الأمريكي جعل مناقشة تحرير التجارة مسألة صعبة كثيراً.

كذلك، تُسلّط قضية البرازيل الضوء على مدى استغلال ترامب صلاحياته في فرض رسوم جمركية مؤقتة، والتي يُفترض أن تقتصر على زيادة مفاجئة في الواردات، أو تهديدات محددة للأمن القومي، أو ممارسات تجارية خارجية غير عادلة.

وما دام الكونغرس أو المحاكم الأمريكية عاجزة عن إيقافه، فإن الضغط التدريجي لرسوم ترامب على الاقتصاد الأمريكي والأسواق المالية يبدو أنه بات هو القيد الوحيد على استخدام الرئيس للرسوم الجمركية، لإعادة تشكيل التجارة العالمية، وتحقيق انتقامه الشخصي.