ثروات أوكرانيا المعدنية الضخمة نصب عيني ترامب

كريستوفر ميلر - بولينا إيفانوفا - كاميلا هودجسون - هنري فوي

سلّط عرض «المعادن مقابل المساعدات» الذي قدّمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأوكرانيا أخيراً، الضوء على الموارد المعدنية النادرة الهائلة في البلاد، والتي ترغب واشنطن في الحصول على حقوق استغلالها مقابل الدعم العسكري السابق.

وتمتلك أوكرانيا احتياطات هائلة من المعادن الحيوية تحت الأرض تصل قيمتها إلى 11.5 تريليون دولار، تشمل الليثيوم، والغرافيت، والكوبالت، والتيتانيوم، والمعادن الأرضية النادرة مثل السكانديوم، وهي ضرورية لعدد من الصناعات التي تتراوح من الدفاع إلى المركبات الكهربائية.

ولم تشهد هذه الاحتياطات، وهي غير شائعة في أوروبا، أي عمليات استكشاف أو تطوير كبيرة والتي عادة ما تستغرق أعواماً حتى في البلدان المستقرة. كما يوجد نقص في البيانات في شأن مدى جودة هذه الاحتياطات، وهي المعلومات التي يحتاج إليها المستثمرون بشدة قبل ضح الملايين في مناجم جديدة.

وجاء اهتمام الرئيس الأمريكي بهذه المعادن في أعقاب تصريحه العلني بالرغبة في شراء غرينلاند، وهي أيضاً غنية بالمعادن الحيوية. وتتسابق الدول الغربية من أجل توفير مصادر بديلة للمعادن الأرضية النادرة بعيداً عن الصين التي تهيمن على سلسلة التوريد العالمية.

ولكن ما المعادن الأرضية النادرة والحيوية التي تتمتع بها أوكرانيا؟ تحتضن الأراضي الأوكرانية ما يُقدّر بـ10 % من احتياطات العالم من الليثيوم الذي يستخدم في إنتاج البطاريات، بحسب بيانات حكومية. وتوجد الاحتياطات في مساحة تغطي 820 كيلومتراً مربعاً، ولكن لم يُستكشَف أي منها بعد.

كما تملك أوكرانيا احتياطات مؤكدة من الزركونيوم الذي يستخدم في وقود الطائرات، وكذلك معدن السكانديوم، غير أن البلاد لم تستكشف أياً منهما. وتُستخرَج بعض احتياطات البلاد من التنتالوم المُستخدَم في أشباه الموصلات، والنيوبيوم الذي يتسم بخصائص فائقة التوصيل، والبيريليوم الذي يُستخدم في قطاع صناعة الطيران، ولكن على نطاق ضئيل، ومع ذلك، فقد أفاد المسؤولون بأن إمكاناتها كبيرة.

وقال مسؤولون أوكرانيون إن بلدهم يحل ضمن أكبر 10 دول على مستوى العالم من ناحية احتياطات التيتانيوم الذي يستخدم في صناعة الصواريخ والطائرات والسفن. ولا يخضع سوى 10 % فقط من الاحتياطات المؤكدة للتطوير.

وصرح دنيس شميكال، رئيس الوزراء الأوكراني، في وقت مبكر من الشهر الجاري، بأن أوكرانيا قد تحل محل روسيا في مجال الواردات الأوروبية من التيتانيوم.

ولكن رومان أوبيماخ، المدير العام السابق للمسح الجيولوجي الأوكراني، أشار إلى «عدم وجود تقييم حديث» لاحتياطات أوكرانيا من المعادن الأرضية النادرة، مشدداً أن التقديرات تستند إلى دراسات قديمة كثيراً إذ أُجريت في الحقبة السوفييتية.

وذكرت غرايسلين باسكاران، المديرة لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الحديث عن المعادن يرقى إلى كونه «استعراضاً سياسياً تماماً، فالبيانات ليست حديثة، ولدينا معلومات قليلة للغاية عما يوجد».

وبالنسبة لمواقع الموارد الطبيعية، فقد أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأوكرانية، أن الحكومة بصدد إعداد نحو 100 موقع للترخيص والتطوير، من دون الكشف عن الكثير من التفاصيل.

وتتوزع الموارد المعدنية الأوكرانية عبر أنحاء البلاد، ولكن ما يزيد على 20 % من المواقع أصبح تحت السيطرة الروسية في أعقاب اندلاع الحرب مع روسيا في سنة 2022، بحسب تقديرات كييف.

واشترت شركة كريتيكال مينيرالز التي تتخذ من أستراليا مقراً لها، تراخيص لاثنين من أبرز احتياطات الليثيوم في أواخر سنة 2021، أي قبل ثلاثة أشهر فقط من بدء العدوان الروسي.

ويقع أحد هذين الموقعين، وهو احتياط شيفتشينكو في شرقي البلاد، تحت السيطرة الروسية، بحسب ما أفاد به توني سيدج، رئيس مجلس إدارة الشركة في تصريحات لصحيفة «فاينانشال تايمز». وقال: «لقد خسرناه، ولن نستعيده أبداً»، مضيفاً أن احتياط دوبرا الواقع في الغرب يظل «درة التاج» حتى الآن.

وأكد سيدج، الذي تمتلك شركته رخصة تنقيب أيضاً في غرينلاند، أنه «متحمس للغاية» في شأن المفاوضات الأمريكية-الروسية التي أشار إليها الرئيس الأمريكي ترامب. وأضاف: «بالنسبة لشركتنا، فسيكون التوصل إلى تسوية أمر رائع».

ولكن ما الذي ترغب فيه الولايات المتحدة بالضبط؟ لقد أعلن ترامب أن الولايات المتحدة تستحق 500 مليار دولار من موارد أوكرانيا، بداية من الاحتياطات المعدنية إلى النفط والغاز.

كما تستحق بنية تحتية مثل الموانئ، في مقابل المساعدات العسكرية السابقة التي قدّمتها الولايات المتحدة لتدافع أوكرانيا عن نفسها ضد روسيا. ويزيد هذا كثيراً على مجمل المساعدات العسكرية الذي قدمته واشنطن إلى البلاد منذ سنة 2014 ويبلغ 69.2 مليار دولار، بحسب إحصاءات وزارة الخارجية الأمريكية.

ورفض الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الاقتراح، وشدد على وجوب ارتباط أي اتفاقيات في شأن الموارد المعدنية بضمانات أمنية أمريكية لما بعد انتهاء النزاع، بحسب أربعة مصادر على اطلاع على المفاوضات.

كما أن الرئيس الأوكراني حريص على مشاركة الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، مثل المملكة المتحدة وكندا، في الاستغلال المستقبلي للموارد الطبيعية.

وبالنسبة للتعقيدات، فقد أشار مستثمرون وخبراء، إلى أن عوائق بالغة في سبيل تطوير مشروعات التنقيب هذه على وجه السرعة، في ضوء البيروقراطية الحكومية المُعقدة، والقواعد التنظيمية الحكومية، .

ومحدودية الوصول إلى البيانات الجيولوجية، علاوة على التحديات التي تكتنف تأمين الأراضي، وخاصة في ظل تواصل الهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة، وقد أجبر ذلك بعض أنشطة التنقيب على اللجوء إلى المولدات، ما رفع تكاليف استخراج المعادن المُستكشفة ونقلها.

وقال جاك بيدير، مؤسس شركة بروجكت بلو لاستخبارات السوق: «في حين قد يكون لدى أوكرانيا إمكانات كبيرة من ناحية المعادن بالنسبة للعديد من السلع.

وعلى الرغم من أن لديها قطاع صلب وسبائك حديدية راسخاً يمكن إنعاشه، إلا أن مستقبلها يظل محفوفاً بعدم يقين شديد». وأضاف إن ذلك «لا يبشر بخير للاستثمار في مشروعات قد تستغرق عقوداً لتمويلها وتطويرها وتشغيلها».

وتمتلك شركة «فيريكسبو» التي تتخذ من سويسرا مقراً لها، منجماً كبيراً لخام الحديد وعمليات للإنتاج في أوكرانيا،.

ولكن محللين لدى شركة «بيل هانت» أكدوا أنها تحتاج «استثمارات هائلة» للحفاظ على الإنتاج «بعد عدة أعوام من خضوع الأنشطة لقيود. ونعتقد بأن الخطر الأكبر سيتمثل في توفير العمالة الماهرة، بمجرد توقف الأعمال العدائية».

وأوقفت «فولت ريسورسز» المُدرجة في أستراليا، الإنتاج ضمن عمليات في منطقة زافالييفسكي للتنقيب عن الغرافيت في نهاية العام الماضي، بسبب الظروف الصعبة. فهل أخطأ زيلينسكي في العرض الذي تقدم به لترامب؟ لقد طرح زيلينسكي فكرة منح الشركات الأمريكية حقوق التنقيب ضمن «خطة سلام» كان قد تقدّم بها إلى ترامب المرة الأولى العام الماضي.

ولكن مسؤولين أوروبيين وأوكرانيين صرحوا لصحيفة «فاينانشال تايمز»، بأن زيلينسكي ربما يكون قد اقترف خطأ استراتيجياً بعدم توضيح أي قيمة إجمالية أو تقديم أي تفاصيل.

وقال مسؤول أوروبي بارز مطلع على المفاوضات مع كييف: «كان من الواضح أن الأمر عرض لإغراء ترامب»، واستطرد: «ولكن غياب التفاصيل يعني أن ترامب بإمكانه في حقيقة الأمر تحديد السعر الذي يريده».

وأسهب: «يُبدي بعض المحيطين بزيلينسكي ندماً على الطريقة التي تعاملوا بها مع الأمر، فمن الواضح أنهم فقدوا السيطرة على المسألة».

ويرى مسؤول أوكراني بارز أن زيلينسكي كان يتعين عليه أن يكون «واضحاً بشدة» في شأن ارتباط تلك الموارد بـ«ضمانات مستقبلية متعلقة بالمساعدات الأمنية الأمريكية».

ويسارع فريق الرئيس الأوكراني إلى صوغ عرض مغاير ولكنه جذاب. وقد أثار العرض الذي تقدّم به ترامب غضب الحلفاء الأوروبيين.

ولذا، شبّه مسؤولون في مؤتمر ميونيخ للأمن، العرض بـ«تكتيكات الابتزاز التي تتبعها المافيا»، و«الربا» و«الاستعمار».

وقال مسؤول أوروبي آخر: «ثمة فرق بين أن تقول إننا سنساعدك على تحرير أراضيك ثم استغلال الموارد تحت الأرض لديك، وأن تطالب بثمن المساعدات التي قدمت بالفعل».