ريتشارد ووترز
تسبب الهجوم المباشر والسريع الذي شنه إيلون ماسك على الحكومة الفيدرالية الأمريكية، من خلال وزارة كفاءة الحكومة والتي تعرف اختصاراً بـ«دوج»، في إطلاق قدر كبير من الطاقة المحمومة والطموح اللامحدود والميل لاحتضان الفوضى التي بات كثيرون يتوقعونها من أبرز رجالات صناعة التكنولوجيا في عصرنا هذا.
وهذه ليست الطريقة التي يتعامل بها عادة الأوليغارشيون الذين يأملون في إخضاع الحكومة لإرادتهم.
ولكن بالنسبة لماسك الذي لا يمكن كبحه، والذي خصص أيضاً وقتاً لعرض غير مرغوب فيه بقيمة تقل قليلاً عن 100 مليار دولار للاستحواذ على شركة «أوبن أيه آي»، كان الأمر مجرد أسبوع آخر من العمل.
لكن فهم ما يكمن وراء هجومه المحموم أمر ضروري، لتقييم مدى ما سيحمله تعصب ماسك وما سيبقى عندما ينتهي جنون «دوج» (وزارة الكفاءة الحكومية في البيت الأبيض) في آخر الأمر.
إن إحدى النقاط الواضحة التي يمكن لنا أن ننطلق منها هي المصلحة الذاتية. فمن المؤكد أن مجموعة واسعة من الأعمال التي يمتلكها ماسك ــ من السيارات الكهربائية إلى الصواريخ الفضائية والذكاء الاصطناعي ــ تفرض عليه أن يوجه اهتماماً واسع النطاق بشكل غير عادي بكيفية عمل الحكومة.
ومع ذلك، فإن هذا لا يتطلب بالضرورة هجوماً على جهاز الحكومة نفسه، وعلى سبيل المثال، فإن شركة سبيس إكس تهيمن بالفعل على قطاع الفضاء في الولايات المتحدة، بل وازدهرت في ظل الإدارة الديمقراطية الأخيرة. ولا يبدو أن فترة ماسك غير التقليدية في الخدمة الحكومية من المرجح أن تجلب الكثير من المزايا المهمة لشركة تسلا.
كما لم يُظهِر دونالد ترامب أي ميل إلى عكس تحيزه السياسي ضد الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.
وهناك تفسير محتمل آخر وهو أن هجمة ماسك هذه تشكل جزءاً من رد فعل ثقافي قوي. فقد قادت الهجمات على القضايا الليبرالية مثل التنوع والإنصاف والشمول إلى تقديم مزيد من الدعم لتفكيك آلية الحكومة الأوسع نطاقاً. ولكن المبالغ الفعلية من الأموال على المحك هنا لا تكاد تذكر مقارنة بالإنفاق الإجمالي.
وإذا استمعنا إلى ماسك نفسه، فإن تقليص حجم الحكومة ضرورة اقتصادية. ومع ذلك، فمن المشكوك فيه إلى أي مدى يحركه شيء مجرد مثل ضبط الميزانية. بدلاً من ذلك، كان هجومه غريزياً، مدفوعاً بمواجهاته الشخصية مع الحكومة.
فمن معركته الجارية مع الهيئات التنظيمية للأوراق المالية الأمريكية إلى التحقيق في برنامج تسلا للسيارات ذاتية القيادة، يبدو أن ماسك ينظر إلى الحكومة كقوة معارضة تمنعه من ابتكار المستقبل.
ويبدو أن الأمر شخصي للغاية أيضاً. فعندما تحول ماسك في عام 2022 من التصويت للديمقراطيين إلى الجمهوريين، اشتكى مما قال عنه: «إنها الهجمات غير المبررة من قبل الديمقراطيين البارزين ضدي والتجاهل الشديد لشركتي تسلا وسبيس إكس». وهناك أيضاً دافع تقني ليبرالي قوي في العمل. وعلى غرار شخصيات تقنية أخرى دعمت ترامب، يعتقد ماسك أن الرئيس الجديد أقل عرضة لعرقلة التقنيات التحويلية مثل الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة.
لكنه لم يكن متماسكاً أيديولوجياً مثل المستثمر الليبرالي بيتر ثيل. فبعد الأزمة المالية بفترة وجيزة، كتب ثيل أن الحرية غير متوافقة مع الديمقراطية وأن المخرج الوحيد هو الدخول إلى عوالم جديدة اخترعتها التكنولوجيا، سواء الفضاء الإلكتروني أو المريخ.
وحتى إذا كان ماسك يتملكه نفس الشعور، فإنه لم يقل ذلك. وهو عازم على توجيه الحكومة نحو رؤية تكنوقراطية للمستقبل، وهو ما زعم مؤخراً خلال تواجده في المكتب البيضاوي أنه من شأنه أن يجلب تعبيراً أكثر صدقاً عن الديمقراطية.
وقد جلب إلى هذه المهمة مزيجاً مألوفاً في وادي السيليكون من نفاد الصبر والغطرسة الفكرية والمصلحة الذاتية والمثالية الساذجة. ولدى هؤلاء يعني الاعتراف بالحدود قبولاً للهزيمة، فيما تعتبر الأفكار التخريبية أو الغريبة علامات على جرأة الفكر والرؤية.
ولن يصدم أحد ممن شهدوا استعداد ماسك لخفض التكاليف إلى حدود تدميرية بعد استحواذه على «تويتر» عندما يرون نفس الفكرة تُطبق الآن على الحكومة.
ولا ينبغي لنا أن نتفاجأ أيضاً بأن هذه الأحاسيس غير المقيدة في وادي السيليكون تفضي إلى نتائج تتجاهل تمام حقائق وواقع الحكومة وتتسم بالسذاجة إلى حد اليأس.
لكن الاعتراف بالفوارق الدقيقة من شأنه أن يدعو إلى الشك، فيما إحدى القوى العظمى التي يتمتع بها ماسك هي عدم إظهاره أدنى قدر من الشك الذاتي.
وقد تجبر التكاليف السياسية المترتبة على مشروع قانون «دوج» البيت الأبيض على التراجع.
وقد تتحدى المحاكم سلطته في اختراق البيروقراطية الحكومية والحد من الإنفاق. ولكن إلى أن يتم الوصول إلى أي من هاتين النقطتين، فمن الصعب أن نرى ما الذي قد يمنع تعصب ماسك من التحول إلى الجنون الكامل.
