طفرة الأصول الرقمية تغري شركات ناشئة بدخول سوق الإقراض المشفّر

جورج ستير

يشهد قطاع العملات المشفّرة بروز جيل جديد من المشاريع عالية المخاطر، يتوسّع في استراتيجيات الإقراض من خلال ابتكار صيغ جديدة لقروض الأصول الرقمية، وذلك بعد مرور ثلاث سنوات فقط على الانهيار الكبير الذي ضرب الأسواق وأدى إلى موجة إفلاسات واسعة في شركات الإقراض.

وشهد عام 2022 انهياراً حاداً في قطاع الإقراض بالعملات المشفّرة، أحد أكثر المجالات خطورة في سوق الأصول الرقمية، حيث أدى تراجع أسعار الأصول إلى سلسلة من حالات التعثّر والإفلاس، توّجت بانهيار منصة التداول الشهيرة «إف تي إكس».

واستمر الركود المعروف بـ«شتاء العملات المشفّرة» لما يقارب العامين، إلى أن أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الزخم إلى القطاع عبر دعمه العلني والصريح للأصول الرقمية، ما شجّع المستثمرين على العودة بقوة.

وقد سجل سعر البيتكوين مستويات قياسية، وبدأت مؤسسات مالية كبرى مثل «جيه بي مورغان» النظر بجدية في دخول سوق الإقراض بالعملات المشفّرة.

وتقدّم «ديفاين» قروضاً دون 1000 دولار بعملة «يو إس دي سي» المرتبطة بالدولار الأمريكي، لمستهلكين يعانون ضائقة مالية، معظمهم خارج الولايات المتحدة، وتُصنّفهم المنصة ضمن شريحة «مهمّشة من قبل المؤسسات المالية التقليدية».

ومن أبرز المنافسين في هذا المجال مجموعة «3 جين» للعملات المشفرة، حيث نجحت في يونيو الماضي في استقطاب تمويل أولي بقيمة 5.2 ملايين دولار من مجموعة «باراديم» الاستثمارية - التي سبق لها الاستثمار في منصة «إف تي إكس».

وبدأت الشركة الناشئة فعلياً في تقديم خطوط ائتمان غير مضمونة بعملة «يو إس دي سي» عبر شبكة الإيثيريوم، لكنها اشترطت على المقترضين تقديم «أدلة موثقة» على امتلاك أصول رقمية أو مصرفية أو تدفقات نقدية مستقبلية كدعم نظري للقرض، دون مطالبتهم بضمانات فعلية.

ويُعد الإقراض غير المضمون بطبيعته عالي المخاطر، لغياب أصول يمكن حجزها عند التخلف عن السداد، لكنه في الوقت نفسه يشكّل فرصة ضخمة لقطاع العملات المشفرة، وفقاً لمطّلعين على الصناعة.

ورغم أن المعاملات الائتمانية على البلوك تشين قابلة للتحقق ودائمة، يرى منتقدو هذا التوجه أن إشكاليات إخفاء الهوية وصعوبة تنفيذ الأحكام تقلص من الجدوى العملية لهذه التقنية. أما القروض المتعثرة عبر منصة «3 جين»، فيتم بيعها إلى وكالات تحصيل الديون الأمريكية.

وتعكف الشركة حالياً على تطوير منصة إقراض مبتكرة تستند إلى وكلاء ذكاء اصطناعي، وهي برامج تنفذ المهام تلقائياً وفقاً لتعليمات المستخدم. ووفقاً للشركة، فإن هؤلاء الوكلاء سيكونون «ملزمين برمجياً بشروط القروض»، مما يتيح تقديم قروض بأسعار فائدة أقل بكثير.

وفي مارس الماضي، أعلنت بورصة العملات المشفّرة المدرجة في الولايات المتحدة «كوين بيس» عن شراكة مع «أوبن إيه آي»، لإنشاء وكلاء ذكاء اصطناعي مزوّدين بمحافظ عملات رقمية، وقادرين على أداء مهام تجارية ومالية.

ويُعد بروتوكول «وايلدكات» منصة مخصصة لصنّاع السوق وشركات تداول العملات المشفرة، ويقدّم لهم تسهيلات ائتمانية شديدة المرونة بمعدلات ثابتة وضمانات محدودة، عبر شبكة الإيثيريوم، ثاني أكبر منظومة في سوق العملات المشفرة، وقد تجاوزت قيمة القروض الممنوحة عبره حتى الآن 170 مليون دولار.

وقال يفغيني غايفوي، مستشار منصة «وايلد كات» والرئيس التنفيذي لـ«وينترميوت» لصناعة السوق في قطاع العملات المشفّرة: «على غرار منصات مثل «كليربول» و«ترو فاي»، تتيح وايلد كات للمقترضين المعتمدين إنشاء أسواق خاصة بهم يحددون فيها شروطهم بأنفسهم، مثل أسعار الفائدة، وتواريخ الاستحقاق، والحد الأقصى للتمويل. وحال حدوث حالات تعثر، يتولى المقرضون مسؤولية التنسيق مباشرةً فيما بينهم للبحث عن آليات الاسترداد».

وبالنسبة لشركة «ديفاين»، فإن معدل التخلف عن السداد في القرض الأول يبلغ نحو 40% في المتوسط، ويمكن للفوائد المرتفعة «تعويض هذه الخسائر»، مع إمكانية «استرجاع جزء» من الرموز المجانية التي يحصل عليها المستخدمون عند مسح قزحية أعينهم عبر منصة «وورلد». وغالبية عملاء «ديفاين» لم يسبق لهم استخدام العملات المشفرة، ويأتي تمويل هذه القروض من ودائع أفراد يسعون إلى «عوائد مجزية».

وشكّل الإقراض بالعملات المشفرة، المموّل من ودائع الأفراد، محور الأزمة المالية التي هزّت القطاع في 2022، عندما عجزت منصات مثل «سيلسيوس» و«جينيسيس» عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين، ما اضطرها إلى إعلان إفلاسها.

وانتهى المطاف بأليكس ماشينسكي، الرئيس التنفيذي لـ«سيلسيوس»، بالسجن 12 عاماً بتهم الاحتيال والتلاعب في السوق. أما «جينيسيس»، فقد قبلت تسوية بقيمة ملياري دولار لإنهاء دعوى قضائية أقامها المدعي العام في نيويورك، متهماً إياها بالاحتيال على أكثر من 230 ألف مستثمر، مع تمسك الشركة بموقفها بعدم ارتكاب أي مخالفات في هذه القضية.

ومن الجيد أن القروض غير المضمونة لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من سوق الإقراض بالعملات المشفّرة، الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات، وتُهيمن عليه مجموعات مثل «كوين بيس»، و«تيذر»، و«غالاكسي».

وبدأت بنوك وول ستريت الكبرى خوض غمار هذا المجال عبر تقديم قروض مضمونة لبعض مالكي العملات المشفرة. فقد كشفت مؤسسة «كانتور فيتزجيرالد» مطلع الشهر الجاري عن إطلاق مبادرة بقيمة 2 مليار دولار تحت اسم «مشروع تمويل البيتكوين»، لتوفير الرافعة المالية للمستثمرين الذين يحتفظون بأغلى الأصول الرقمية في العالم.

كما كشفت فاينانشال تايمز منذ أيام أن بنك «جي بي مورغان» يدرس تقديم قروض مقابل ممتلكات العملاء من العملات المشفّرة.