روبرت أرمسترونج
أعلنت سلسلة مطاعم ماكدونالدز عن نتائجها المالية للربع الأخير من العام، وقد أظهرت نتائج جيدة بشكل عام بفضل الأداء القوي للمطاعم خارج الولايات المتحدة. ومع ذلك، يواجه السوق الأمريكي تحديات واضحة.
حيث سجلت شركات المطاعم الأمريكية انخفاضاً في المبيعات مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وأصبح المستهلكون يطلبون كميات أقل في كل زيارة.
وقد حاولت إدارة الشركة تبرير هذا الانخفاض بمشكلة تلوث البصل ببكتيريا «إي كولاي» التي أثرت على السلامة الغذائية، إلا أن المحللين يشيرون إلى أن السوق الأمريكي وقطاع المطاعم السريعة بشكل عام يعاني من تباطؤ مستمر منذ فترة طويلة.
وكان قطاع المطاعم السريعة شهد ارتفاعاً حاداً في الأسعار خلال فترة انتشار وباء كورونا، مما اضطره لاحقاً إلى التراجع عن هذه السياسة وتقديم عروض وجبات مخفضة لاستعادة العملاء. لكن التحدي الأساسي يكمن في الوضع المالي الصعب الذي يعيشه المستهلكون من ذوي الدخل المحدود في الولايات المتحدة.
وكشف كريس كمبنسكي، الرئيس التنفيذي لـماكدونالدز، عن حجم المشكلة، مشيراً إلى ركود واضح في السوق وتراجع إنفاق محدودي الدخل بأكثر من 10 % في الربع الأخير. وتزداد الأزمة تعقيداً لأن هذه الفئة تشكل نسبة أكبر في قطاع المطاعم السريعة.
ويسير الاقتصاد الأمريكي حالياً في مسارين مختلفين، وهو ما ينعكس على أداء سلاسل المطاعم الخمس الأبرز، حيث كانت «تاكو بيل» الأفضل أداءً، نظراً لتقديمها وجبات بأسعار اقتصادية، مما يجعلها خياراً مفضلاً للمستهلكين الباحثين عن أفضل قيمة غذائية مقابل السعر.
والسؤال هنا: هل تجاوز المستهلكون من ذوي الدخل المنخفض أصعب مراحلهم الاقتصادية؟ فرغم أن معدل التضخم في أسعار الوجبات خارج المنزل قد تراجع من مستوياته القياسية التي بلغت 9% قبل عامين إلى 3.6% في ديسمبر الماضي، إلا أن المؤشرات لا تزال مقلقة.
ويظهر مسح جامعة ميشغن المعروف لقياس ثقة المستهلك أن التحسن في المعنويات الاقتصادية اقتصر على الفئات ذات الدخل المتوسط والمرتفع، بينما لم تشهد الشرائح الأقل دخلاً أي تحسن ملموس.
وهذا يشير إلى أن الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً أمام الأمريكيين من ذوي الدخل المحدود قبل أن يتمكنوا من تجاوز تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية.
من ناحية أخرى، وفي متابعة لتحليل العلاقة بين أسعار النفط والتضخم، والذي ركز على تأثير أسعار الطاقة على معدل التضخم المتوقع في عوائد سندات الخزانة الأمريكية، نجد أن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت يتبنى استراتيجية تهدف إلى خفض عوائد السندات طويلة الأجل، معتمداً على دور محوري متوقع لانخفاض أسعار الطاقة.
ويشير التحليل إلى عامل ثالث محتمل —النمو الاقتصادي— يؤثر على التضخم وأسعار الطاقة بدلاً من افتراض وجود علاقة سببية مباشرة بينهما. ويدعم ذلك أن تكاليف الطاقة تشكل 7 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مع تأثير محدود نسبياً على مؤشرات التضخم.
وللتحقق من مدى اتفاق الآخرين مع هذا الرأي، تواصلت مع خبراء اقتصاديين ومتخصصين في سوق السندات. وأيّد ريك ريدر، المسؤول عن استثمارات بتريليونات الدولارات في بلاك روك، رأي وزير الخزانة بيسنت.
مؤكداً أن خفض أسعار الطاقة سيؤدي إلى تراجع عوائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات، إذ تُعد الطاقة عاملاً رئيسياً في التضخم نظراً لتأثيرها الواسع على مختلف القطاعات.
غير أن هذا الرأي لم يلق إجماعاً بين الخبراء. فقد قدم بول آشورث، كبير الاقتصاديين في مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، تحليلاً مختلفاً، مشيراً إلى أن التضخم يرتبط بالتغيرات في الأسعار وليس بمستوياتها.
مضيفاً أن العلاقة القوية المفاجئة بين مستويات أسعار الطاقة والتضخم المتعادل تثير التساؤلات، لأن النظرية الاقتصادية تشير إلى أن التغير في أسعار النفط، وليس مستواه، هو ما يؤثر في توقعات التضخم.
وفي السياق نفسه، قال جيمس آثي من مجموعة مارلبورو المالية: «رغم ضعف الحجة من الناحية النظرية، إلا أن البيانات التجريبية تظهر تأثيراً واضحاً.
فالنظرية الاقتصادية تفترض أن ارتفاع أسعار النفط اليوم يجب أن يُفهم كمؤشر على انخفاض محتمل في التضخم مستقبلاً، نظراً لظاهرة «معدل أو متوسط الارتداد» وتأثيرات «سنة الأساس».
وبالتالي، يفترض ألا يكون لتغيرات أسعار الطاقة تأثير يُذكر بعد السنوات الأولى على تعويضات التضخم والعوائد الاسمية. لكن الواقع العملي يظهر ارتباطاً قوياً بين أسعار الطاقة ومختلف مستويات أسعار الفائدة».
أما أوليفييه بلانشارد، من معهد بيترسون، فيطرح وجهة النظر الاقتصادية السائدة، والتي تؤكد أن معدلات التضخم طويلة الأجل تتأثر بعوامل أساسية أخرى أكثر أهمية، مثل:
تباطؤ النمو الاقتصادي، وتعزيز الثقة في استقلالية البنك الفيدرالي، وخفض العجز في الميزانية. ويحدد بلانشار ثلاثة عوامل رئيسية للتأثير على التضخم: أولها وأهمها تباطؤ النمو الاقتصادي، يليه تعزيز الثقة في استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وأخيراً خفض العجز في الميزانية.
ويستند في تحليله إلى دراسة أجراها مع الرئيس السابق للفيدرالي بن برنانكي، حيث يشير إلى أن موجة الارتفاع الأخيرة في أسعار الطاقة أظهرت أن تأثيرها على التضخم يكون مؤقتاً ولمرة واحدة.
ويتوقع بلانشار أن ينطبق نفس المنطق على انخفاضات أسعار الطاقة، مما سيؤدي إلى تراجع مؤقت في معدلات التضخم.
ورغم أن هذا التراجع المؤقت قد يدفع البنك الفيدرالي إلى اتخاذ موقف أكثر مرونة تجاه أسعار الفائدة، إلا أن بلانشار يشكك في أن يكون هذا كافياً لإحداث تغيير جوهري في سعر الفائدة على السندات لأجل عشر سنوات.
من جهته، أكد لاري سامرز، وزير الخزانة الأمريكي الأسبق، أن الحكومة يجب أن تركز على سياسة أسعار الفائدة وإدارة العجز المالي.
لافتاً إلى أن العامل الحاسم في تحديد التضخم هو الطلب الكلي الاسمي، الذي يتأثر بشكل مباشر بالسياستين المالية والنقدية، محذراً من أن اعتبار أسعار الطاقة عاملاً رئيسياً في التضخم طويل الأجل أو أسعار الفائدة سيكون تكراراً للأخطاء التي ارتُكبت في عام 2021.
وهكذا نجد أنفسنا أمام معضلة: من جهة، تظهر البيانات التجريبية ارتباطاً واضحاً بين معدلات التضخم المتعادل وأسعار الطاقة، ومن جهة أخرى، لا يوجد تفسير اقتصادي مقنع لهذا الارتباط.
وبينما يفضل بيسنت الاعتماد على حقيقة الارتباط الإحصائي، يميل معظم المحللين إلى تفضيل المنطق الاقتصادي النظري. وسيتوقف الحسم بين وجهتي النظر على تطور أسعار الطاقة في السنوات القادمة، وهو أمر يصعب التنبؤ به، خاصة مع عدم وضوح مدى قدرة السلطة التنفيذية على التحكم في هذه الأسعار.