السباق نحو «ما بعد البيتكوين».. موجة جديدة من المضاربة المشفرة

نيكو أسجاري - أنطوان جارا

تتجه الشركات إلى مراكمة عملات مشفّرة بديلة، مثل عملة الميم المرتبطة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعملتي «هايب» و«لايت كوين»، في محاولة لتعزيز أسعار أسهمها عبر التوسع في حيازة أصول رقمية تتجاوز «البيتكوين».

وقد أصبح إصدار الأسهم أو السندات بغرض شراء «البيتكوين» توجّهاً عالمياً رائجاً هذا العام، مع سعي العديد من الشركات إلى محاكاة النموذج الذي اعتمدته شركة «استراتيجي» المملوكة لمايكل سايلور، والتي بلغت قيمتها السوقية 116 مليار دولار بفضل تركيزها على مراكمة العملات الرقمية.

لكن في مقابل هذا الاتجاه، بدأت شركات مدرجة وأخرى حديثة التأسيس عبر آلية الاستحواذ ذات الغرض الخاص في استهداف عملات مشفّرة أخرى، في محاولة لتمييز نفسها عن مئات الشركات التي تحتفظ بـ«البيتكوين».

وفي هذا السياق، تعمل بريتني كايزر، التنفيذية السابقة بشركة «كامبريدج أناليتيكا»، على ترتيب صفقة تهدف إلى جمع 200 مليون دولار من خلال شركة صورية مدرجة في البورصة، لشراء عملة «تونكوينيس» بسعر أقل من قيمتها السوقية الحالية، بالشراكة مع شركة الاستثمار الكندية «آر إس في كابيتال»، وفقاً لمصدرين مطلعين.

وتُعد «تونكوينيس» الرمز الأصلي لشبكة البلوك تشين الخاصة بتطبيق «تليغرام»، والتي طوّرها مؤسسو المنصة، ومن بينهم بافيل دوروف.

وفي تعليقات لصحيفة «فاينانشال تايمز»، قالت كايزر: «هناك فرصة لزيادة الطلب لا مثيل لها، وذلك أن تون هي البلوك تشين الحصرية لتليغرام وتتمتع بأكثر من مليار مستخدم نشط شهرياً».

وتابعت أن الصفقة «ستركز على النمو الذي تشهده منظومة تليغرام».

كما تنظر منصة «بلوك تشين» أخرى، وهي «أفالانش»، في إبرام صفقة مماثلة، ستبيع بمقتضاها بعضاً من رموزها لشركة صورية مُتداولة في البورصة.

بعد ذلك، ستحتفظ الشركة الصورية برموز «إيه في إيه إكس»، المُستخدمة على شبكة «افالانش»، وستراهن عليها بهدف تحقيق عائد منها على أمل اجتذاب قاعدة من المستثمرين.

ويأتي الابتعاد عن «البيتكوين» في وقت تسجل فيه أسعار أكبر عملة مُشفرة على مستوى العالم مستويات قياسية جديدة بحدود 123 ألف دولار.

ومن بين العوامل التي تعزز مكاسبها، ذلك النهج الودود الذي تتبعه الولايات المتحدة تجاه الأصول الرقمية تحت إدارة ترامب.

ومؤخراً، أقرت واشنطن قانوناً بارزاً يخص قطاع الأصول المُشفرة، ما يأتي بمثابة خطوة كبيرة للأمام نحو اعتماد الأسواق التقليدية للأصول المُشفرة.

وقد فاق أداء «البيتكوين» أداء العملات المُشفرة الأخرى، إذ قفزت بنسبة 77% على مدى العام المنصرم مقارنة بتحقيق «إيثر» مكاسب قدرها 6%، وارتفاع «لايتكوين» بواقع 52% خلال الفترة ذاتها، مما أدى ببعض الشركات إلى النظر في الاعتماد على عملات مُشفرة أخرى.

ومن بين الصفقات الأخرى في القطاع، جمعت شركة «فرايت تكنولوجيز» المتخصصة في إدارة اللوجستيات مؤخراً 20 مليون دولار من خلال ديون قابلة للتحويل بهدف الإنفاق على شراء العملة التي تحمل اسم الرئيس الامريكي «$TRUMP».

وأشار خافيير سيلغاس، الرئيس التنفيذي للشركة، إلى أن شراء العملة سيساعد على «تنويع محفظتنا من الأصول المُشفرة، وسيسلّط الضوء في الوقت ذاته على السياسات التجارية».

ووافقت شركة «سونيت بيو ثيرابيوتكس» المتخصصة في علم الأورام، فقد وافقت على صفقة استحواذ ذات غرض خاص بقيمة 888 مليون دولار مع شركة مدعومة من بوب دياموند، الرئيس التنفيذي الأسبق لـ«باركليز»، لشراء عملة «هايب» هذا الشهر.

وتُعد عملة «هايب» الرمز الخاص بالـ «بلوك تشين» المُسماة «هايبر ليكويد». وحققت أسعار أسهم «سونيت» قفزة بعد إعلان الصفقة بنسبة 200%، لكنها انخفضت بعد ذلك في وقت لاحق.

ومع ذلك، يشكك الكثيرون في فوائد مثل هذه العملات الأصغر حجماً، حيث يرى إريك بينويست، الباحث المتخصص في التكنولوجيا والبيانات لدى «ناتكسيس سي آي بي»، أن شراء عملات أخرى بخلاف «البيتكوين» و«إيثر» يرقى إلى كونه خطوة «شديدة المضاربية»، مضيفاً أن شراء الشركات المتعثرة لعملات رقمية لا يعد استراتيجية أعمال طويلة الأجل.

واستطرد: «لن يفيدهم هذا لوقت طويل للغاية. ففي النهاية، لن تحدد قيمة الشركة إلا قيمة الأصول المُشفرة في حوزتها على الميزانية العمومية».

وقد أصبحت سوق الشركات الدؤوبة على شراء «البيتكوين» متشبّعة، ويعتقد جيف كيندريك، الرئيس العالمي لبحوث الأصول الرقمية لدى «ستاندرد تشارترد»، أن الخطوات الرامية إلى شراء عملات أخرى «أشبه ما تكون بزوبعة في فنجان»، ففي حال هبوط أسعار العملات «سيكون هناك متاعب كبيرة إما مع حملة الأسهم أو حملة السندات».

وباتت أدوات شراء العملات المُشفرة خياراً للمستثمرين الذين يمتلكون كميات كبيرة من العملات ويحتاجون إلى تخزينها بهدف تحقيق قيمة أكبر من استثماراتهم.

وتجسّد شركة «استراتيجي» الخاصة الخاصة بمايكل سايلور نموذجاً لذلك، وهي الشركة التي تُتداول أسهمها بما يقرب من ضِعف قيمة عملات «البيتكوين» التي في حوزتها، وتسير على المنوال ذاته الشركات التي تحتفظ بأصول مُشفرة، فهي كثيراً ما ترتفع قيمتها مقارنة بالأصول في حوزتها، وهو ما يعود إلى استخدام الديون بهدف تمويل عمليات الشراء التي تفيد حملة الأسهم، وبفضل زخم المضاربات أيضاً.

وأبرم أندرو كيز، المؤسس المشارك لشركة «كونسينسيس كابيتال»، منذ أيام صفقة استحواذ ذات غرض خاص بهدف شراء «إيثر».

ويضخ كيز قرابة 645 مليون دولار من عملات «إيثر» الخاصة به في الصفقة، بجانب 800 مليون دولار أخرى عبارة عن استثمارات من شركات، تشمل «بانتيرا كابيتال» و«بلوك تشين دوت كوم».

ويستثمر تشارلي لي، المؤسس المشارك لـ «لايت كوين»، 100 مليون دولار في شركة «إم إي آي فارما» حتى يتسنى لشركة العناية بمرضى السرطان شراء العملة، وأن تصبح «الشركة الأولى والوحيدة التي تُتداول بالبورصة وفي حوزتها لايت كوين».

وقفزت أسهم «إم إي آي فارما» بما يصل إلى 78% بعد إعلان الصفقة الأسبوع الماضي.

وفي الوقت ذاته، أعلنت هذا الشهر شركة «ييزي لابز»، وهي الشركة الاستثمارية التي أسسها تشانغ بينغ تشاو، المؤسس المشارك لمنصة «باينانس»، أنها تدعم تأسيس شركة خزانة ستعمل على شراء عملات «بي إن بي»، وهي الرمز الخاص بشركة «باينانس».

ولعل جاذبية «بيتكوين» تكمن إلى حد كبير في طبيعتها المُحددة، إذ لن تشهد العملة إلا تعدين 21 مليون رمز منها، بحسب القواعد المكتوبة في برمجيتها.

ولا تتمتع عملات أخرى بمثل هذه الحدود الصارمة إلا قليلاً، ويمكن للمعروض منها أن يرتفع، وهو ما يؤدي إلى انتشار شكوك في أوساط بعض المعلّقين عن مدى استدامة هذه الاستراتيجيات.

وأعرب البعض في الصناعة عن شكوكهم في مستقبل غالبية هذه الشركات، سواء تلك التي تشتري «بيتكوين» أو عملات أخرى.

وقالت شركة «بريد» لرأس المال المغامر في قطاع الأصول المُشفرة، مؤخراً، أنها تتوقع «اعتماد عدد أكبر من الشركات على مستوى العالم لهذه الاستراتيجية، على أن تمتد هذه الاستراتيجية إلى مزيد من الأصول، وأن تتحمّل هذه الشركات المزيد من الديون في سبيل سعيها نحو النجاح».

وأضافت: «ستفشل غالبية هذه الشركات لكن في النهاية ستتمكن قلة مُختارة من الشركات فقط من الاحتفاظ بعلاوة مُستدامة لأسعار أسهمها».